البحث عن الدولة الإنسانية

عبدالحليم سيف


 - 
الحياة معركة يومية قاسية..شرسة وعنيفة..تستنزف كل ما لدى الإنسان من جهد وطاقة  وسط غابة متوحشة لا تعرف الرحمة تجعل "ابن آدام" البسيط  لا حول له ولا قوة
الحياة معركة يومية قاسية..شرسة وعنيفة..تستنزف كل ما لدى الإنسان من جهد وطاقة وسط غابة متوحشة لا تعرف الرحمة تجعل “ابن آدام” البسيط لا حول له ولا قوة ينام قلقا ويصحو تائها..لا يدري من أين يبدأ يومه وهو يفكر بكيفية تأمين لقمة عيش غير دسمة لأطفاله قبل إيجار البيت مع قيمة استهلاك الكهرباء والمياه..والحال أنه كلما حل جزءا من مشكلة ما حتى تداهمه أخرى (¿!).
هكذا.. يخرج الإنسان كل صباح مكتئبا..يمضي في طريقه يحدث نفسه..يضرب أخماسا في أسداس..يظن أنه وحيد على هذه الأرض الغنية كتب عليه حياة الشقاء والبؤس ثم سرعان ما يكتشف أنه ليس كذلك..مثله الآلف من البشر يصطدم بهم أينما ذهب..في الأحياء المترفة وخارج المطاعم الفاخرة والمراكز التجارية الضخمة وعند تقاطع الشوارع والأسواق والساحات والميادين..هنا وهناك يرى وجوها من مختلف الأعمار نساء..شباب..أطفال وشيوخ لا يعرف أسماءهم..ولا عناوينهم ..وراء كل واحد منهم قصة تحكي فصولا مأساوية لحال ملايين المعذبين من اليمنيين في هذه الأيام المقلقة غير المريحة .
يحدث هذا في وطن لطالما ظل أصحاب السلطة يرددون طوال السنوات المنصرمة عبارات من نوع :” أن اليمن ملك لجميع أبنائه…” و”المستقبل يبشر بالخير باكتشاف حقول نفطية وغازية … ” ليكتشف الناس بعد حين أن يمنهم تحول إلى مزرعة خاصة لقلة من الأثرياء لا تزيد نسبتها عن 10% تنتفع بالثروات النفطية والغازية والسمكية والحيوانية و… فوحدها تستحوذ على 90% من الدخل القومي أعني بها “الطبقة التي أفرزتها سني الفساد وعهود الاستبداد” حيث تعيش في القصور الضخمة وتسهر إلى آخر ساعات الليل في الفنادق الفخمة فتتناول أفخر وأغلى الوجبات الدسمة تنعم بأجمل الرقصات وتطرب بأصخب الأنغام اليمنية والعربية والأجنبية.إنها الطبقة التي أنتجت كل مصائب ومحن اليمن وهي من أوصلت الحال إلى ما نعيشه اليوم فلم تحمد الله على ما نهبته من خيرات بل راحت تمعن مع “إياهم” في الوطن هدما وحرقا وبسكانه قتلا وتشريدا وتمزيقا(!¿).
أما الطبقة الاجتماعية الأخرى – بحسب الأرقام المنشورة – فتشكل 90 % من سكان اليمن فهي طبقة الفقر والحرمان وسوء التغذية والجوع يتحمل معظم أفرادها عناء الكدح والتعب والشقاء طوال النهار فلا تجد أمامها إلا في المساء من مكان تتنفس فيها الصعداء أو تريح أعصابها قليلا سوى غرفة صغيرة أو تجلس في مقهى متواضع تتناول شاي أحمر وتحمد الله على كل حال (!!). أتجول في معظم الأيام في بعض شوارع العاصمة وأتوقف في الجولات غير أني ما أكاد أنظر من حولي حتى تتوالى أمامي صور صادمة تختلط فيها أصوات “الباعة الجائلين “مع “دعوات المتسولين” حول السيارات الواقفة عند إشارة المرور بشكل فوضوي وكاريكاتوري هذا يعرض” فاين” وآخر ” ليم حامض” أو “عنصيف” أو “علب المياه الباردة ” ورابع يحاول إقناع أحدهم بشراء ” سيدهات لفنانين” وخامس يصر أن تشتري منه “أغلفة الهاتف السيار” وسادس يروج لــ “بلونات ملونة ” وسابع يحمل بين يديه “أدوات منزلية مختلفة أو” مساحات السيارات” ” وتاسع” لديه جوارب وملابس داخلية “.. هؤلاء نموذج لجيش طويل من البطالة اضطرتهم قسوة الحياة إلى هذا العمل بشرف حفاظا على كرامتهم من ذل الحاجة والسؤال وهم سادة القوم وأشرف من أنجبتهم اليمن.
أما الجانب الآخر من الصورة المتنقلة المحزنة لأصحاب الأيدي الممدودة الضامرة المتسخة شاب بدون ساق يطلب حق الغداء ..تسأله عن إصابته: فيجيب بعد تردد: “راحت في حرب صعدة… ” قلت له :”متى ¿” قال : لا أدري “.. طيب وين دفنتها ¿ ” فأجاب :” لا أدري فقد أغمي علي ووجدت نفسي في المستوصف بلا رجل ” “لماذا كنت تقاتل ومع من ¿” سألته فقال :” ذهبت كذاااك مع الخبرة ولا ندري من نقاتل وعلى ماذا ¿!”..سحب نهدة من أعماقه وقال بحرقة: ” الله لا لحقهم خير من كانوا السبب…” قلت له: آمين يسمعك رب السماء “وبينما كنت أود معرفة عنه بعض التفاصيل إذا به يقول :”إنا ذلحين يا حاج إدي لي حق الغداء ..الله يسترك ” ثم يأتي شاب آخر ويشير إلى يديه المشوهتين تعرف انه واحد من ضحايا الحروب و آخر يعرض رشتات وتقارير طبية وأغلفة علاجات يريد صدقة لشراء الدواء لإنقاذ طفلة يجرجرها خلفه.
تفتح الإشارة تنطلق السيارات بجنون وسط ارتفاع أصوات التنبيه النشاز المختلطة بصراخ وشتائم باتجاه من يحاول تجاوز من يتحرك أمامه أو يسلك الخط المعاكس في مشهد يثير الاستهجان والقرف أترك المكان إلى تقاطع شارع آخر حيث السيارات الفارهة من مختلف الألوان والموديلات تنظر العيو

قد يعجبك ايضا