ثورة المعلوماتية التهديد القادم

تتعدد الآراء في السياق الراهن عن النتائج التي سوف تترتب على ثورة المعلوماتية بالنسبة للأمن القومي لمختلف البلدان. ويكبر مثل هذا السؤال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. مثل هذا الموضوع يعالجه السياسي الأميركي المخضرم ريشار آ. كلارك في كتاب يحمل عنوان: (الحرب الإلكترونية) مع عنوان فرعي هو: (التهديد القادم بالنسبة للأمن القومي وماذا ينبغي العمل حيال هذا الموضوع) .
ما يؤكده المؤلف هو أن (الحرب الالكترونية) قد بدأت في الواقع عام 2007. ذلك عندما قامت الأجهزة والجهات الروسية المختصة بـ (تعطيل) حواسيب المؤسسات الاستونية الشهيرة. كان الهدف بالتحديد من ذلك (الهجوم) هو شلل البنى الأساسية الاقتصادية والسياسية والمالية لاستونيا.
استمر شلل المؤسسات المعنية طيلة ثلاثة أسابيع أي الفترة التي وضعت فيها السلطات الاستونية كل قدراتها وعبأت طاقات جميع خبراء المعلوماتية العاملين في البنوك وغيرها لإصلاح أشكال الخلل التي نتجت عن عملية (قراصنة الشبكة العنكبوتية).
ويتعرض المؤلف في هذا السياق إلى العملية التي قامت بها إسرائيل عندما قصفت طائراتها موقعا سوريا في شمال البلاد زعمت أنه (مشروع) لبناء مفاعل نووي. عملية القصف تلك سبقها (هجوم الكتروني) تمثل في قيام الأجهزة الإسرائيلية المختصة بـ (تعطيل) شبكة الرادارات السورية بحيث لا تستطيع الكشف عن الطائرات الإسرائيلية التي تدخل في الأجواء السورية لتنفيذ مهمتها.
وكانت روسيا قبل اجتياحها لجيورجيا بعد أن شنت عملية عسكرية ضد اوسيتيا الجنوبية المحمية من موسكو قد قامت أي روسيا- قبل أيام من العملية العسكرية الأرضية بهجوم ( الكتروني) على مواقع المعلومات الرئيسية لجيورجيا و( أعاقت الدخول ) إلى مواقع قناتي (سي.ان.ان ) و( بي.بي.سي) في البلاد.
بالتوازي جرى أيضا تعطيل المواقع الالكترونية الحكومية ومواقع البنوك بحيث لم يكن بمقدور السلطات الجيورجية إرسال (رسائل الكترونية) إلى الخارج.ويشرح المؤلف على مدى العديد من الصفحات أنه يمكن القيام بـ (هجومات إرهابية) بواسطة الحاسوب. مع التأكيد في نفس السياق أنه ليس محض خيال تصور إمكانية (تعطيل) عمل الشبكة العنكبوتية الأميركية من قبل (قراصنة) أخصائيين بالتكنولوجيات الرقمية.
والتأكيد أيضا أنه (يمكن لهجوم الكتروني أن يعطل القطارات في عموم البلاد) ويقصد الولايات المتحدة. وكذلك (تفجير) أنابيب البترول. ويمكنه أيضا أن يغرق بلادا شاسعة مثل الولايات المتحدة في (ظلام دامس) طويل عبر استهداف المحطات الكهربائية وتعطيل أجهزة تشغيلها (الالكترونية).
ومن الأخطار التي يشرحها المؤلف هناك الخطر الكبير المتمثل في (تعطيل) أو (خلط) المعلومات الموجودة في السجلات المالية التابعة للمؤسسات المالية العالمية أو للبورصات هذا بحيث أنه يصبح من غير الممكن معرفة (من يملك ماذا). ويمكن توجيه (ضربة قاضية الكترونية) للحواسيب التي تنظم حركة السير في المدن الأميركية الكبرى الخ.
وينتهي المؤلف إلى القول أن بلاده أميركا تعاني من حالة (تبعية الكترونية). ذلك أن الأميركيين لا يستخدمون شبكات الانترنت من أجل إدارة شؤون حياتهم اليومية فحسب ولكن البنى الأساسية الأميركية تعمل حسب (منظومات ذكية) مربوطة بشبكة الانترنت. وهذا يشمل الميدان المالي وشبكات الكهرباء والماء ووسائل النقل العام وتنظيم حركة السير.
ووصولا إلى القوات المسلحة الأميركية. ولا يتردد المؤلف في القول بنتيجة تحليلاته أن هجوما (الكترونيا) ضد المؤسسات الحيوية الأساسية الأميركية أو إحداها يمكن أن يسبب حالة من الفوضى الكاملة.مقابل مثل هذا الواقع يقترح كلارك بناء (قدرات دفاعية) يمكنها أن تحمي المؤسسات الحيوية الأميركية. لكنه يؤكد أن مثل هذه الإجراءات (الاحتياطية) لا تخدم بشيء إذا لم يتم تبني نظم قانونية عالمية يتقيد بها الجميع. ويذكر بهذا الصدد إمكانية توقيع اتفاقيات دولية في المجال (الالكتروني) على غرار اتفاقية (سالت) مع روسيا.
الكتاب: الحرب الالكترونية- تأليف: ريشار آ. كلارك – الناشر: هاربر كولنز نيويورك 2010 – الصفحات: 300 صفحة – القطع: المتوسط