الإســــكنـدريـة.. مدينة تعشق السرد

محمد الغربي عمران

الخروج من القاهرة يشبه يوم النفير . فالكباري مختنقة.. والشوارع السفلية امتلأت عن آخرها. يتوقف الخط تماما حتى لكأنك تظن أنه لن يتحرك ثانية ليتحرك قليلا ثم يعود.. وهكذا حتى وصلت بنا الحافلة الصغيرة (ميكر وباص) إلى المحور لتنطلق عبر مدينة نصر.
عبر الطريق الصحراوي.. بالكاد خرجنا من اختناقات القاهرة.. لم يعد محيط ما يسمى بالطريق الصحراوي صحراويا فجل ما تحيط به مزارع خضار وفاكهة, وأبراج حمام. الساعة قاربت من الثانية عشرة ظهرا والطقس شتوي ملبد بالغيوم والشمس محتجبة. حول الطريق مناظر لشتاء خلاب.
وصلنا أطراف إسكندرية عبر ترعة المحمودية وتلك المساحات البيضاء(مصائد الملح) عبرنا إلى مدينة في جنينة.. لأكتشف حين وصولي الفندق بأني أول من وصل من المدعوين, ثم أفاجأ بوقوف إحدى الأديبات العربيات جواري بينما كنت منشغلا بالنظر إلى شاشة جهازي المحمول. كنت سعيدا بها, طلبت منها أن تتركهم يصعدوا بحقيبتها إلى غرفتها لنذهب سويا خارج الفندق, أن أجد من أسير وياه في شوارع تلك المدينة الطفلة. ذهبنا سويا إلى مكتبة الإسكندرية.. ثم قلعة قتباي.. تناولنا وجبة الغداء في أحد المطاعم.. طفنا الأسواق الأكثر زحاما جلسنا في أكثر من مقهى, لأكثر من ست ساعات من السير الفرح حتى عدنا الفندق في الحادية عشرة ليلا. مدينة تفرح بزحام شوارعها.. تلك الأماكن التي تسحرك ببحرها, أناس يستقبلونك بابتسامة مدينة يعود تاريخها إلى آلاف السنين, حين عدنا وجدنا عددا ممن وصلوا البطران من السعودية. محمد محقق من المغرب.
تفرقنا كل إلى غرفته ننتظر بهجة الصباح.. صباح الإسكندرية البهي .
قبيل شروق الشمس كانت قدماي على موعد مع مدينة أعشقها.. لي معها زيارات سابقة. وعيناي تعشق رؤيتها لحظات صحوها. فالمدن لها طبع الغواني ولذلك أحب أن أرى ملامحها دون مكياج أو تصنع. خرجت وسط طقس قارس..سرت موازيا لسحب تقترب.. عمال النظافة يمسحون ليل المدينة بأناملهم.. صيادوا الأسماك بعصيهم الطويلة على صخور الكرنيش كأنهم تماثيل من الجرانيت الغامق يتبعثرون بعيدا. أنفاس تهرول لاهثة على صفحة الشارع.
حين جاورت مبنى مكتبة الإسكندرية المميز انحرفت خطاي نحو شوارع وأزقة المدينة الخلفية .. سرت كثيرا مخترقا أحياء وأسواق لأعرف أسمائها حتى محرم بيك.. أسواق وحدائق الشلال.. وغيرها من المسطحات والأخاديد الخضراء, ساحات وأزقة حتى إستاد إسكندرية الرياضي.. محطة سكة حديد القديمة , زحام باعة شارع النبي دانيال وكتبه التي تذكرنا بشارع المتنبي في بغداد وسوق الأزبكية في العتبة بالقاهرة والتحرير بصنعاء.
توغلت بين جدائل المدينة بين صحوها وبقايا نومها, يغريني منظر عربة الفول وقد تربعت على زاوية الرصيف المقابل لأحد المقاهي, شاب قال لي أنه من ألمانيا, تحلق الزبائن حول رف العربة المزينة بأوراق البصل وكومة الطماط, جردل الطرشي, وأواني البهارات والزيوت, تقف جرة الفول كملكة في أعاليها, لم يكن من شيء استثنائي غير كل ما وحلي. وكان فطورا شهيا.
عدت إلى الفندق قبيل الظهيرة مجهدة قدماي. دكتور شريف عابدين, مبدع القصة القصيرة جدا الأول في مصر, وأحد المؤمنين بمستقبل سيادتها, ذلك الكائن المحلق بأجنحة روحه في بهو الفندق , يستقبل الجميع بروح غذاؤها الابتسامة, فاطمة بنت محمود قاصة من تونس, , جمعة الفاخري …غادة البشتي من ليبيا, ومن وصلوا بالأمس حسن البطران ومحمد محقق مصرا اصطحبنا إلى وجبة غداء سكندري, هناك في الهواء الطلق, وجبة لذيذة. تجولنا في أسواق المدينة بعد الغداء زرنا ضريح مولانى المرسي أبو العباس, في مسجده البهي, لنعد استعدادا لحفل افتتاح مؤتمر السرد الأول الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع رابطة القصة القصيرة جدا, لنجد باقة من ضيوف المؤتمر وقد وصولوا توا: معجب العدواني السعودية, وهيثم الحاج علي ومحمود الضبع من القاهرة وامتنان الصمادي من الأردن ومحمد الرحبي من عمان ,وزينب العسل وسمير الفيل من مصر. وغيرهم من الأدباء من مصر والوطن العربي وتسير اللحظات بجمع الأصدقاء.
ليكون للمؤتمر حفل افتتاح بهي وجميل.. كانت الساعة السابعة مساء حين التأم حشد كبير في كبرى قاعات المكتبة .. ذلك الصرح الفريد بتصميمه وتكوينه المدهش.. وقاعاته المتعددة.
اليوم التالي تزينت مكتبة الإسكندرية بفعاليات المؤتمر حيث أزدحم البرنامج بعدة فعاليات متصلة حتى السابعة مساء. تخلله تناول وجبة غداء في مطعم المكتبة. تنوعت الندوات بين قراءات نصية وورش في الق ق ج.. وأوراق نقدية وشهادات.
وفي المساء التأم الجميع حول طاولة العشاء في مطعم الفندق.. امتدت حواراتنا حتى الثانية بعد منتصف الليل.. محمود الضبع بوداعة أخلاقه وطلاوة أحاديثه..سيد الوكيل برصانة طرحه ,هيثم الحاج علي بخفة ظله.. معجب العدواني بسعة ثقافته.. جمعة الفاخري بشاعريته

قد يعجبك ايضا