التعميد بالدم

جمال حسن


 - 

الدم لا يعني بالضرورة عدالة قضية ما أراد الفيلسوف الالماني في مقولته كسر المسلمات البشرية وبالتحديد ما تحتويه الفكرة المسيحية المتكئة على الخلاص. البعض يريد استثمار

الدم لا يعني بالضرورة عدالة قضية ما أراد الفيلسوف الالماني في مقولته كسر المسلمات البشرية وبالتحديد ما تحتويه الفكرة المسيحية المتكئة على الخلاص. البعض يريد استثمار قضية مكللة بالدم بصرف النظر عن محتواها لكن البشر تحتويهم التراجيديا أكثر مما تعنيه الفكرة التي تقوم عليها. إلا أن فكرة كتلك ظللتنا على مدى دهور ونحن نلاحق منابع الدم على حساب ما يجب أن تتمثله لنا الحياة. في زيارة لمنطقة قبلية بمحيط صنعاء ثمة عبارة للحوثيين تؤكد على أن حب الحياة للمتخاذلين. وعندما كان هناك أطفال يلعبون أخبرتهم أننا بحاجة لنحب الحياة حتى نبتكر ونتفوق. وسخر أحدهم مني مغتاضا ربما للون سترتي النارية. فكان أن ضحكت. لكن ماذا تجسد مقولة الحوثي إنه يريد تجييش فدائيين من أجل مشروعه الخاص توزيع فكرة الموت كوسيلة لأن تكون قضيته أبدا معمدة بالدم. أليس كذلك تقوم الأفكار السلفية وهذا ما نراه في تجليات القاعدة القائمة على إرسال انتحاريين ومقاتلين.
لا أحد يكترث هنا لقيم الحياة هل لأن تراثنا بأكمله يقوم على تمجيد الموت. المسيحية كذلك تتفق مع الاسلام بالاشمئزاز من قيم الحياة¿ الوعظ القائم على استلاب الهاجس البشري بدار الآخرة وذلك كرسته بفرض سلطتها الدينية والدنيوية. فكانت تحاصر حتى خبايا النفوس وتعللها لتسقط استبدادها. هل انقذت السلطة الدينية البشر¿ على العكس قومت الحروب وبررت القتل بمسوح ربانية. وربما كان أبشعها الحروب الدينية التي أزهقت ملايين النفوس.
ما المشترك الذي يسعنا لنعيش معا بمختلف أفكارنا وانتماءاتنا¿ ربما ذلك سؤال أخرق مثقل بالوعظ أيضا. ثمة شعارات وجدتها في صنعاء تتحدث عن سلطة الله العليا والأبدية وهي تهاجم فكرة الدولة المدنية باعتبارها زائلة والتي لا يبدو أن كثيرا منا يعي محتواها لكن بما أننا زائلون فنحن بحاجة لنجد فكرة تناسب هذا الزائل وما هو أبدي أقصد ما هو سلطة أبدية تتمثل في عقاب أو نعيم خالد فهذا يعود لخيار الشخص نفسه أي أن الشخص سيئ الحظ هو الذي لن يهتم بفروضه الدينية وهذا بحد ذاته سيحتم عليه العقاب الإلهي لكن ليس من حق أي طرف أو جهة أن تعدمه حياته وتقطع عليه حتى إمكانية أن يراجع نفسه ويعود للهداية. أي أن فكرة الدولة بالأساس تقوم على جمع خليط من البشر لديهم معتقداتهم وأفكارهم المختلفة وعليه فلدى المواطن مصالح غاية في الأهمية مثل حقهم في العيش الكريم ولا يقتصر الأمر فقط على حمايتهم الأمنية والعدالة الاجتماعية بل كذلك في تحسين أوضاعهم الاقتصادية. وأن تكون هناك استراتيجية قادرة على تخفيف الفقر وتوفير فرص عمل تبني تعليما جيدا من أجل جيل قادر على البناء.
لكن هنا يزدهر القتل وكل أعمال العنف. أطفال يرتدون وسائل الموت أكثر منها وسائل الحياة. أطفالي لا يجدون طريقة لتفريغ طاقتهم في اللعب. لم يعد الشارع مسرحا آمنا لهم. تكثر قصص الاختطافات والاغتصابات. الجماعات الدينية تقول أن السبب هو تخلي الناس عن القيم الدينية. مع ذلك تزدهر الجوامع بأعداد المصلين والأكثر من ذلك تجد البعض يسد الشارع على الآخرين لأنه ذاهب لتأدية صلاته. أصبحت المفاهيم تخلط بين الدين وقيم الحياة الأخرى. فإن يمارس البعض شعائره لا يعني اللااكتراث بحق الآخرين في استعمال الطريق. هناك أشياء نشترك فيها خارج المسجد كما نشترك فيها خارج الشعائر. أي حقنا في الحياة. لذا تؤكد التوجهات الأكثر تعصبا أن سلطتها لا تعتني بالإنسان بل بمحاصرته وجعله تابعا أو وليمة يحشر بها حروبه. حتى المؤسسات الحكومية الجميع يذهب لتأدية شعائره ثم أنهم يعرقلون معاملات المواطن.
أحد الحوثيين كتب شعار الصرخة وفي خطأ كاريكاتوري بعد الموت لأميركا واللعنة على اليهود كتب “النصر للسلام” قاصدا الاسلام. والمضحك أنه بعد كل دعوات الموت يكون هناك تمجيد للسلام. لكن العبارة توضح ببساطة حماقة الشعارات المتعطشة للدم. فهل الأخضر الإسلامي لا يزدهر إلا بالموت للآخرين¿ وها نحن اليوم ننزوي في الطوفان الاقليمي المنتشي بالصراع الطائفي. وهذا ما يمكن أن تمنحه لنا المشاريع القائمة على السلطة الدينية. حتى حزب الله اللبناني في مقولة زعيمه إن قضيته معمدة بالدم. لا يبدو أنه قادر على إنقاذ لبنان من الانزلاق لمواجهات طائفية. وتبقى فكرة المقاومة هلامية إن كانت غير قادرة على تشكيل لبنان وطني.
هذا التوهج الطائفي هو تكليل لانبعاث الحركات الدينية وهيمنتها على المسرح السياسي طيلة العقود الماضية. الثورة الاسلامية في إيران وانبعاث الجهاد السني في المحيط الهائل. هكذا تتحول شعوب الشرق الاوسط

قد يعجبك ايضا