العرب والذهنية المخاتلة..!!
سامي عطا
منذ “معركة صفين” بين علي ومعاوية, استوطن في ذهنية العرب, ما يمكن أن نطلق عليه ذهنية المخاتلة. هذه الذهنية المواربة درجت على الكذب والتدليس و المؤامرة. وتعد معركة صفين لحظة فاصلة في زمن العرب العقلي والواقعي. وعلى أساسها تشكل سلوك العرب السياسي والاقتصادي أيضا. لقد جرى التعامل مع السياسة حتى يومنا هذا بوصفها سباقا في مضمار الخديعة أو قدرة المرء على الوصول إلى خط نهاية المكر. مöنú يمكر مسبقا يحقق مآربه أولا, أو حسب المثل الشعبي “تغذى به قبل أن يتعشى بك”. وجرى التعامل مع التجارة أيضا بوصفها شطارة ولا زال يجري التعامل معها بهذه الذهنية فالكذب والخديعة شطارة.
أن معركة صفين حدث سياسي صاغ ذهنية العرب على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بامتياز إذ شرعت للملك العضوض و التوريث, وتوطدت نظرية المؤامرة كشرعة في مسلك السياسة. ولم تفلح كل دروس وعبر تاريخ الإنساني في أن يستفيد العرب منه لأجل تغيير مسلكهم في السياسة وطريقة إدارة الحكم. لذا يبدو العرب كما لو كانوا جنسا آخر أو موميات يتم استحضارها من متحف التاريخ. هذا ما تؤكده مشاريعهم ـ إذا كانوا يمتلكون مشاريع أصلاـ حتى اليوم إذ تتميز مشاريعهم بكونها مشاريع تهرب من استحقاقات الحاضر والمستقبل إلى ماضيهم. ما زلنا نتنفس “الغزالي” ونعيش مع “ابن تيمية”.(حسن حنفي) لننظر مثلا إلى مشاريع وحدتهم راهنا لم تكن مشاريع للتقدم, بل مشاريع قادتهم من نكوص إلى آخر فكلما تقدم الآخرون أرتد العرب ألف خطوة إلى الخلف, لأنها مشاريع التربص وتحين الفرص من أجل الانقضاض على الحاضر والمستقبل بأدوات تشبعوها من ماضيهم الذي صاغ ذهنيتهم, مشاريعهم ككل الإيديولوجيات إذا ما استعرنا عبارة أميل سيوران “تختلق فراديس في الزمن”, لكنه الزمن بوصفه ماضي ( النشأة ), المستقبل الغائب الأكبر عندهم, وسلوكهم السياسي يقوم على ذهنية إغتصاب, حيث تشرع لاغتصاب الطرف الضعيف, وهي ذهنية مخاتلة ومراوغة لذا تأتي مشاريعهم إما فاشلة أو تعاني من العجز والقصور الذاتي. حتى فكرة التقدم لديهم تعاني من العطالة.
وكل المشاريع التي عرفها وخبرها العرب مأزومة, إذ تفتقر إلى دسم الاخلاق والقيم الفاضلة. ويكتنفها قبح الممارسات من كل الجهات. و تدور في حلقة مفرغة. حتى عندما يثورون تأتي ثورتهم على غير العهد, إذ تستمد أشعارها من الماضي” إن الثورة أي ثورة اجتماعية, تأمل إحداث فرق “تغيير”, لا تستطيع أن تستمد إشعارها من الماضي بل عليها أن تستمد إشعارها من المستقبل والمستقبل وحسب. إن الثورة ” لا تستطيع أن تبدأ بتنفيذ مهمتها قبل أن تقضي على كل احترام خرافي للماضي” (ماركس الثامن عشر من برومير).
إن ذهنية التفكير السياسي العربي راهنا موميات عاجزة عن النهوض بمهام إدارة الشأن المجتمعي. حتى عندما تحاول هذه الذهنية المخاتلة أن تستفيد من الخبرات الإنسانية فإنها تلجأ إلى أسوأ التجارب والخبرات الإنسانية وتكرسها مسلكا وممارسة.
إن العرب يتسابقون باتجاه أدوات و طرائق عتيقة تم تجاوزها. إذ تراهم يذهبون إلى نيقولا ميكيافيلي وكتابه ” الأمير” غير مدركين أن نصائحه تلك وجهها لأحد أمراء مقاطعة إيطالية توسم فيه القدرة على لملمة إيطاليا الممزقة والمفتتة وجعلها أمة, ونصائح ميكيافيلي ليست إلا قراءة استفاد فيها من حاضر”ماضي” ممزق من أجل خدمة الحاضر والعبور إلى المستقبل, أنها نصائح وليست وصفات قابلة لكل زمن ومكان.
لقد شوه العرب علم السياسة, فلم يعد علما يهتم بإدارة مصالح الناس المتناقضة يهدف إلى حفظ الاستقرار والسلم الأهلي في المجتمع, بل ظلت السياسة كما عهدوها فنا للكذب والتدليس والخداع والمداهنة. حيث بقيت معايير وقيم هذا العلم عند العرب لم تتغير واستمرت طرائق إدارتهم لشؤونهم على عهدها أيضا.
السؤال إذا يرفض العرب الثورة في تغيير واقعهم وتتغير طرائق تفكيرهم, وتغيير إدارة شؤونهم, فكيف سيتغيرون¿.
أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن