عذابات يوسف الرائعة !

خالد الرويشان


 - كان يوسف مöرúعي يجر قدميه المنهكتين صوب ميدان التحرير في صنعاء ذات أمسية لن ينساها أبدا . كان ذلك مساء 11 فبراير 2011. وبينما كان العالم يتابع دوي سقوط مبارك في لحظته الأخيرة كان يوسف يدلف إلى ميدان التحرير في صنعاء ممتلئا بالغضب محتشدا بأحلام التغيير , حاملا ملفات مراجعاته للمنحة الدراسية المستحيلة اللعينة !
كان يوسف مöرúعي يجر قدميه المنهكتين صوب ميدان التحرير في صنعاء ذات أمسية لن ينساها أبدا . كان ذلك مساء 11 فبراير 2011. وبينما كان العالم يتابع دوي سقوط مبارك في لحظته الأخيرة كان يوسف يدلف إلى ميدان التحرير في صنعاء ممتلئا بالغضب محتشدا بأحلام التغيير , حاملا ملفات مراجعاته للمنحة الدراسية المستحيلة اللعينة !
كان يوسف الذي قدöم من الضالع متúرعا بöزهúو معدله المرتفع 94% قد قضى معظم أيام سنة 2010 بين أرúوقة وزارة التعليم العالي بلا جدوى أو نتيجة . وعندما لم يشفع له المعدل المرتفع , استطاع أن يحصل على توجيه من رئيس الوزراء السابق وبعده اللاحق إلى وزير التعليم العالي .. دون جدوى !.. وتوجيه آخر من رئيس الجمهورية السابق واللاحق دون جدوى أيضا !
أكمل دراسة اللغة ” التوفل ” بناء على طلب الوزارة وعلى حسابه الشخصي وهو مغترب في صنعاء يأكل في مطاعمها وينام في فنادقها ! طالت الأيام , ونسي اللغة الاجنبية من طول انتظاره وترقبه ! وكانت المفاجأة ان الوزارة طلبت منه في آخر لحظة أن يحصل على شهادة قبول من الجامعة التي يريد السفر إليها !.. أنا أراسل الجامعة أيها المجانين ! كان يحدث نفسه متبرما متوعدا وهو في طريقه إلى ميدان التحرير !
لم تستطع قصائد محمود درويش التي يحفظها عن ظهر قلب ويترنم بها دائما أن تهدئ من بركان غضبه وحريق قهره ! كان تلك الليلة يدلف إلى ميدان التحرير بقدميه المتعبتين باحثا عن الخلاص .. عن الامل .. وعندما دخل أول خيمة في ميدان التحرير فوجئ بوجوه غريبة عابسة لا علاقة لها بحلم أو خلاص !.. لكنه أفلت من بين عöصيهم الهوجاء وعيونهم البليدة بعد دقائق من دخوله . كانت خيام التحرير فöخاخا للضرب . لمح شابا يصرخ مöلء ذلك الليل .. الشعب يريد إسقاط النظام ! كان الرصاص يتطاير والعصي تهوي والشاب لا يكف عن الصراخ .. الشعب يريد إسقاط النظام ! كان يوسف يهم بإنقاذه حين أفلت الشاب من بين أيديهم صوب باب السبحú المطل على ميدان التحرير . هرب الاثنان إلى محل لصياغة الذهب واختبئا في زاوية منه. نظر كل منهما إلى وجه الآخر تحت ضوء المحل الساطع . كان الدم يسيل من وجه الشاب .. تأمله يوسف .. كأنهما نسختان من صورة واحدة ! العمúر نفسه والنحول ذاته . إسمي هشام المسوري . قال الشاب ذو الملابس الممزقة وهو يمسح قطرة دم من على حاجبه . فيما بعد صارا صديقين حميمين . وعندما غادرا محل الذهب كان صاحب المحل بكوفيته البيضاء يراقبهما مبتسما .. كم يشعرن بالأسف الآن لأنهما لم يذهبا إليه مرة أخرى كي يعúرöبا له عن امتنانهما !

كان 2011 سنة للثورة الشبابية اليمنية بامتياز وأجمل ما فيها التعارف تحت وابل الرصاص والعöصي !.. في جولة كنتاكي وفي مسيرة اليوم الثاني للمذبحة كان القناصون الملثمون يسدون كل المنافذ ! وفجأة يتهاوى الشهيد رجائي الحمادي . كانت هذه أول مرة يرى فيها يوسف الموت عيانا وبيانا . كان رجائي يصرخ ضاغطا بأصابعه على قلبه المبعثر .. يا إياد .. يا إياد ! وكان إياد المخلافي غير مصدق أن الموت قريب وسهل إلى هذه الدرجة ! وكأن الحياة مجرد نكتة سوداء ! وبايخة جدا ! كان يوسف وإياد يحتضنان رجائي المحúتضöر وهما يغتسلان بالذهول , وثمة أصوات تتلاشى , ووجوه تتوارى .. وتنهيدة أخيرة تصعد من صدر الشهيد .
رحل رئيس وجاء رئيس , وذهب رئيس وزراء وجاء آخر , وغادر وزير وحل وزير آخر وآخر محله ! وتضخم ملف المراجعة للمنحة وانقضت سنوات 2010, 2011, 2012, 2013 ويوسف ما يزال مصرا على تحقيق حلمه . يقاتل ويكافح بالتوازي مع أحلام وطنه في التغيير والتقدم والعدل والمساواة . عرف أروقة الوزارة وموظفيها كما لم يعرفهم أحد ! وعرف عدد من سافر مبتعثا بوجه حق وبدون حق ! يحمل من الملفات والأسرار ما يمكن أن يصبح موسوعة للصبر , والكفاح , والاكتشاف !
سنوات أربع أضافت إلى عمره أربعين عاما ! رحلة هائلة مهولة وتجربة مريرة طويلة أضافت إلى عمره أعمارا . لكن الابتسامة لم تغادر وجهه النبيل يوما , ولم يكن للظلم والظلام أن يغيرا من قناعاته أبدا !
في حفل وداعه الخميس الماضي بدا يوسف هادئا ساكنا مثل طائر خرافي جاب العالم كله ! كان يوسف يضئ فحسب .. وكان أصدقاؤه وهم من اليمن كله يحيطون به ويغن

قد يعجبك ايضا