غرائب عصر البردوني

• عبدالله علوان


-1 غربة الشاعر وغرائبة
الشاعر الكبير عبدالله البردوني عالم قائم بذاته ,مكتفيا بذاته لا يحتاج لأحد وإن كنا نحن الفقراء إلى شعره نحتاج له ولإبداعه الثقافي بشكل عام.
قد يحتاج الشاعر لوطنه ولأمته ولثقافة الأمم الأخرى ليستعين بذلك على إعادة خلق الوجود وصياغة عالمه الشعري والثقافي بما ينفع الناس ومن أجل إثراء عوالمهم الروحية وتنوير بصيرتهم بجمال الحياة وضرورة جمالها لهم لكنه يبقى مستغنيا عنهم ومكتفيا بذاته…أو مكتفيا بروحه العربية والإسلامية وبتطلعاته الإنسانية إلى عالم يبقى منشودا أبدا.

نصوغ للعدم الموجود خاتمة
نأتي من الغائب المنشود اخبارا
لكي نعي أننا نحيا نموت كما
تفنى الأهلة كي تنساب اقمارا

هذا هو الشاعر المستعين ,لا بغيره كما يقول خصومه عن قدرته الإبداعية وإنما يستعين بوطنه وشعبه لكي يعيد خلق الحياة ويحررها من الطغاة …. كل الطغاة الذين أحالوا الحياة إلى خرائب تنعق بها البوم أو تنعق بها الغربان وتعوي السكاكين على أعناق الشعوب الضعيفة والمستضعفة.
البردوني عالم فريد من نوعه أو هو متوحد بذاته ليرى العالم المحيط به بمنظار واقعي وببصيرة ثاقبة يعبر عنه شعريا بصدق وأمانة…
إذن لماذا يقول إنه منفصل عن كل ما يحيط به غريب عن عالمه المحيط به وهو يدرك تماما انه يعيش في زمن مليء بالغرائب وفي عالم كله غربة وهو متين الصلة بكل شيء وعن كل شيء حوله إلا أن النفيس غريب أينما كانا كما يقول أبو الطيب المتنبي…¿ أو لأنه الذهب معدنه الرغام….¿
البردوني يقول انه وحيد في عصره ولا يمت بصلة إلى ما حوله:
ليس بيني وبين شيء قرابة
عالمي غربة زماني غرابة
إنه كالمتنبي يعيش عالما تكتنفه الغرابة لأنه يعيش في زمن مليء بالغرائب ومادام الشاعر البردوني يدرك ليس اغترابه بل اغتراب العالم عنه فإنه يدرك غرائب عصره وعصر هذا العالم المغترب لا عن الشاعر وحسب بل وعن حقائق الوجود, فقد تقلبت الموازين وتبدلت الثوابت وتساوت الحرف وانمحت الحدود بين الأشياء,ولم يبق ثمة فرق لا بين فصول السنة ومواسمها ولا بين الإدراك واللإدراك ونسي وجه الصواب الإصابة, واستوت الثنائيات , فالشموس لم تعد تدرك مدارها المعتاد ولا تعرف الشرق من الغربوالنجوم لا تدرك مواقعها ولا ضروع الدوالي تسكر ولا الناس يستطيبون عصير العنب أو رحيقه .
كما تتساوى مهنة الموت بالطب , واستوى الحكم بالقصابة , كذلك أصبحت المؤسسات التربوية والتعليمية بل المؤسسات الثقافية كلها تمارس بوعي منها وبمناهج تربوية غادرة , تمارس سياسة التجهيل , والمؤسسات الاقتصادية والتجارية تمارس بوعي منها وبمناهج مدروسة ومعدة سلفا لسياسة النهب والإفقار .
كذلك أصبح القتل عادة يمارسها الحكام على شعوبهم بدون أي رقيب فلا هناك ضمائر إنسانية وازعة, و لا قيم أخلاقية حميدة تقيد الضمائر الفاسدة ولا قوانين رادعة…فالأرض مباحة والقيم الأخلاقية الحميدة مداسة بقوانين الرأسمالية والدماء مهدورة في كل قرية ومدينة وفي كل شارع وحي , فمن العبث أن ترثي (حبابة) أحد أو تغني لأحد.
وكذلك عندما يصبح القتل وسياسة الاغتيالات عادات يعتادها الحكام القصابون يصبح عندها طلب النجاة أو الطلب بالأمن والاستقرار عيبا ومنكرا ,فاللصوص أذكياء والمرابون شطار والمرتشون يعرفون كيف يختلسون الجلد , أو يعرفون كيف يأكلون الكتف , وعند هذا كله تعلو كل القيم السلبية كالخيانة والغدر والنهب والغش والكذب الإعلامي والأدبي والزيف الثقافي عندها على (ازاد) كقوة مهيمنة متمترسة خلف القوانين الاستثمارية عليها أن تنتحر …وتحتسي كؤوس أنور السادات وصداموكؤوس ياسر عرفات والقذافي وكؤوس بن علي التونسي وحسني مبارك…والبقية تأتي.
وهذه كلها لا تشير إلا إلى نهاية واحدة وهي قيام القيامة بعد هجعة الأرض طبعا فنهاية العالم يبشر ببداية حياة جديدة.
ها هنا يصبح الرفات بذورا أمطري أي بقعة يا سحابة
فلتقم القيامة….. ففي القيامة , أي قيامة , تستجيب الأقدار لهذا العالم الرأسمالي المقيت فالناس نيام فإذا ماتوا نهضوا.
وإذن ليس البردوني هو الغريب عن الحياة وإنما العالم الرأسمالي القائم على الاستغلال والحروب وعلى النهب والدمار هو المغترب عن الحياة.
قصيدة [آخر الموت…] من ديوان الشاعر البردوني [ زمان بلا نوعية] تعالج اغتراب العالم عن ذاته وهي تقوم على انساق الشعر العربي التليد (عمود الشعر) ولكن بأسلوب جديد فيه من الغرابة الإبداعية ما يجعلها أهم أو من أهم قصائد عصرنا هذا…
فإلى القصيدة ومعرفة تفاصيلها البلاغية واللغوية وتراكيبها اللغوية ومجازات

قد يعجبك ايضا