اغتراب الذات اليمنية
محمد صالح الحاضري
كانت كتب التاريخ المدرسي تصدم الطالب بقولها إن أبرز الصادرات اليمنية كانت اللبان والبخور فيتضح من ذلك عدم معرفتهم بتاريخ اليمن القديم.
لم تقل بأن السبئيين في القرن العاشر قبل الميلاد كانوا قد اكتشفوا الذهب وأن الصناعة الاستخراجية والتعدينية شملت خام الذهب والفضة والنحاس والحديد وأن السبئيين ومن بعدهم الحميريين طوروا الجنات الزراعية إلى أعلى مستويات الجودة العالمية وأن دولتهم لم تكن دولة غزو لأنها كانت مكتفية من كل شيء حسب تحليل اليونان لواقع اليمن القديم التاريخي من الناحية المادية كما لم تتضمن عبارات التاريخ اليمني المعاصر عن التاريخ اليمني القديم تحليلا للأسس الفكرية الواقفة وراء ظاهرة الاقتصاد الإنتاجي ومفهوم امتلاكه قاعدة وطنية رئيسية للتصدير كوصف علمي معاصر لحركة النشاط التجاري اليمني القديم.
إن سيكولوجية تضخيم العبارة دون خلفية معلوماتية ضخمة هو أمر واقع كنا نلحظه في كتاب التاريخ القديم المدرسي وأيضا في الإعلام الوطني التعبون واتضح لاحقا أن ثمة شعورا نفسيا بأهمية الواقع الاقتصادي اليمني القديم بل إنه شعور متطور تجاه تلك الأهمية المادية يربط تطور الواقع المعاصر بشروط الواقع القديم دون معلومات تفصيلية تقدم فكرة موضوعية واضحة للربط بين الماضي والحاضر تبرر كل تلك الأهمية المرجعية لليمن القديم في بناء اليمن المعاصر وفي الحقيقة ملخص ذلك الخطاب الرسمي عبارة واحدة هي عملية الاستعادة المادية لمجد اليمن القديم باعتباره كان غنيا والواقع اليمني المعاصر فقيرا.
نفهم من انشداد اليمنيين إلى التاريخ اليمني القديم أن الروح اليمنية تعبر عن ذاتها بهذه الطريقة وتفهم عدم الوضوح التاريخي أنه جانب العقل اليمني الاغترابي يحاول إعاقة اكتشاف ذاته الحقيقية داخل ركام الانقطاع التاريخي للواقع المعاصر عن الواقع القديم.
إن خلفية إحساس الواقع المعاصر بأنه في أسفل الهوة التي يشعر بوجودها بينه وبين الواقع القديم انشغال اليمنيين بتاريخهم كمفهوم للعودة المادية إلى ماضي أجدادهم على عكس طريقة المصريين في استثمار تاريخهم اقتصاديا في صورة الاقتصاد السياحي بل إننا نلاحظ اليمنيين أكثر ضجيجا كلاميا عن تاريخهم ولا يوجد شارع أو منشأة باسم كربئيل وتر وشمر يهرعش وأسعد الكامل ويوسف ذونواس.. الخ بينما المصريين عندهم ميدان رمسيس.. ألخ ناهيك عن أن اليمنيين يطلقون على قصر غمدان وهو قصر الحكم الرئيسي لملوك حمير قصر السلاح بدلا من اسمه التاريخي وحولوه إلى موقع لأكبر فرن كدم بصنعاء بدلا من إعادة بنائه واستثمار شهرته التاريخية.
في الحقيقة نظرة اليمنيين إلى واقعهم القديم احتكمت إلى مستوى واقعهم المعاصر المتخلف فهم في مؤخرة التطور الاجتماعي والاقتصادي ولو كانوا بمستوى أفضل من الناحية المادية لاختفت الدوافع النفسية وراء محاولتهم القول بأن واقعهم المتخلف لا يعبر عن حقيقتهم الطبيعية وإنما هم قوم كانوا في مقدمة حركة التطور المادي للتاريخ القديم.
نقاط القوة والضعف التاريخية
إن التاريخ اليمني المعاصر هو تاريخ نقاط الضعف والتاريخ اليمني القديم هو تاريخ نقاط القوة فيظهر مفهوم الهوة بينهما أنه مفهوم عملية الصراع بين نقاط القوة والضعف التاريخية كصراع نجحت من خلاله نقاط القوة في إبقاء مفهوم الانقطاع التاريخي محصورا داخل إطار الاغتراب وعدم خروج نقاط الضعف به إلى الانطماس والتلاشي التاريخي فبقيت اليمن معروفة بحدودها الطبيعية التاريخية ذلك أن من طبيعة جدل القوة والضعف التاريخي كمون نقاط القوة وظهور نقاط الضعف داخل جدلهما اللا مرئي بالملاحظة العادية بوصفه جدلا بين نقاط القوة الكامنة في الروح اليمنية ونقاط الضعف الظاهرة في الواقع التاريخي فتحسم الذات (الروح) اليمنية الجدل وتنهيه بالتغلب على نقاط ضعفها فتعيش واقع نقاط القوة بوصفه هو واقعها الحقيقي.
تأصيل الاغتراب فلسفيا
إن اغتراب الروح عن ذاته هو مفهوم فلسفي لجدل التاريخ متضمنا الروح في شكل النشاط الموضوعي للتاريخ العام ينهي به الروح اغترابه عن ذاته ويحققها ماديا.
كذلك الروح اليمنية اغتربت عن ذاتها بالصورة التي نبسطها في معنى قول الأستاذ عبدالله البردوني “يا بلادي وكل شيء فيها إلا أنا وبلادي” وفي معنى شعار الحركة الوطنية الحديثة العودة إلى الذات اليمنية كطريق مرحلته الأولى هي الوعي بالذات.
فكما هو واضح من التأصيل الفلسفي فإن الشعار مفهوم العودة فيه يتأسس على مفهوم الاغتراب بأن ينهي اليمنيون اغترابهم عن ذاتهم اليمنية ويعودون إليها.
كما لا يجب فهم الأساس الفلسفي بأنه ناتج عن خلفية فلسفية مسبقة بل إنه أساس فلسفي ن