الثورة ليست ترفا.. ولكن!!!

سامي عطا


 - إن جيل الشيوخ في هذا البلد كرس نظاما شموليا وأرسى دولة أمنية بامتياز, ناهيك عن ذلك , فإنه جيل الخصومة المستفحلة, وصار مثقلا بإرث التوجس والريبة بسبب طبيعة تكو
إن جيل الشيوخ في هذا البلد كرس نظاما شموليا وأرسى دولة أمنية بامتياز, ناهيك عن ذلك , فإنه جيل الخصومة المستفحلة, وصار مثقلا بإرث التوجس والريبة بسبب طبيعة تكوين ثقافته السياسية, وكما هو معروف لكل فعل سياسي تداعيات. ولئن كانت الثورات الكلاسيكية ثورات نخب اعتمدت على سرية العمل والتخطيط من تحت الأرض أو بمفهوم هذا الزمان تأمرية الطابع سواء ما عرف بثورات الضباط الأحرار في غير بلد عربي أو ثورات التحرر من الاحتلال, ولأن طبيعتها سرية فإنها كرست في نفوس أفرادها الريبة والشك والتوجس, هذه النفسية الشاكة والريبية رافقت أصحابها لاحقا, وعلى أثر هذا تحولت الإرادات التي كان ينبغي لها أن تكون رافعة للبناء والمستقبل إلى إرادات معاقة نفسيا ووجدانيا, وتمثلت الإعاقة من جانبين , إعاقة متمثلة بسيادة الشك والريبة بين أفرادها , وإعاقة موت الضمير بسبب دموية معظم تلك الثورات, فمن يعيش أجواء العنف ويتعاطاه يتحول إلى آلة قتل, وهذه الأجواء تكون سببا في موت ضمير الإنسان, وذلك من فرط العيش فيه وتكرار ممارسة هذه الأفعال. هكذا يعلمنا علم النفس السياسي, وهذه مزية أثقلت كاهل الثورات الكلاسيكية, ومن فرط أوضاع كهذه تكون لدينا جيل استفحلت خصومته ويمكن القول تكونت هوة بالغة يصعب ردمها ويستحيل تعبيد الطريق إلى المستقبل عبر هذا الجيل الحوار بين أفراده بات مستحيلا فهناك جدار سميك من عدم الثقة ارتفع بفعل سلوك المداهنة والمراوغة وإضعاف الخصم وتحين الفرصة لاغتصابه هذا السلوك أفرز انسدادا في أفق الحل عبر جيل الخصومة هذا. وعليه بدأ حل معادلة الصراع يتصدى لها جيل جديد أخذ زمام المبادرة متجاوزا كل الفاعلين السياسيين في السلطة والمعارضة معا.
وبالتأكيد ذهاب الناس إلى الثورة ليس ترفا, بل تعبيرعن حاجة فرضها انسداد الأفق , ويقينا أن الثورة ليست وسيلة وحيدة للتغيير, لكنها تغدو مطلبا ضروريا حينما تغيب الوسائل الأخرى. وأي ثورة حين ترفع شعارات تطالب برحيل أو تغيير رأس الهرم في السلطة وأعوانه وسقوط النظام برمته فإن السقوط لا يعني الأفراد كأفراد, بل الأفراد بوصفهم تعبيرا عن رمزية , بوصفهم تعبيرا عن مكوöن ثقافي أو بتعبير أدق تدمير وإسقاط ثقافة حاضنة للفعل السياسي بحيث تكون هناك سلطة ومعارضة جديدة تعبر عن تطلعاتهم وآمالهم, لكن ليس بالمعنى الفيزيقي .
ولأن نظام علي صالح الشمولي أفسد كل شيء في البلد بما فيها الملعب السياسي ولم تعد السياسة مضمارا صالحا للسباق, وكفت السياسة أن تكون أداة إدارة المصالح السياسية المتعارضة وحل أزمات المجتمع, فإن ظهور الحراك الجنوبي جاء تعبيرا عن رفض الناس ويأسهم من العملية السياسية وأدواتها القائمة, ولقد كان الحراك الجنوبي تمردا ورفضا لحامل قضيتهم المفترض الحزب الاشتراكي اليمني, كما أن قراءة معاني الحراك جاء بوصفه محاولة خلق قيادات بديلة. فلقد ظل النظام يتغابى ويفسد العملية السياسية عبر اختزال الحل بالتسويات والترضيات الممهورة بتلبية مطالب فردية في المعارضة ” شراء ذمم واستمالة أشخاص”, وظل النظام يعتقد أن حل الأزمة لا يتطلب أكثر من لين المعارضة كأفراد والقبول بحل يقوم على التسويات بين النخب السياسية سلطة ومعارضة, ومع كل تسوية ـ علما بأنها تسويات لم تلامس مشكلات الناس ـ كانت المعارضة تبتعد رويدا رويدا عن جماهيرها, لا بل سلكت المعارضة أحيانا سلوك “القندس”(1 ) في الأسطورة, إذ وجدت نفسها تتبرأ من بعض الأفعال والاحتجاجات العفوية الصادرة عن الناس, ولنا في موقف المشترك من الثورة في بداية ثورة الشباب أسوة حسنة. ولم يك يدرك النظام أن سلوك إضعاف المعارضة هو إضعاف للنظام ذاته, وعدم تلبية الحد الأدنى من مصالح الناس عبر التسويات سيكون بمثابة الانتحار السياسي للمعارضة.
إن أزمة البلد الماثلة جاء نتاج فهم للسياسة باعتبارها ترادف الكذب والمخاتلة , حتى بات ” الكذب في بلادنا ليس استثناء, ولكنه من فرط التكرار صار يشبه الحقيقة”( واسيني الأعرج)ولذلك بدلا أن تكون السياسة علم إدارة شئون المجتمع عبر حوار المختلفين انسد أفق الحلو لازال هذا الانسداد قائما وهو حصاد زرعه النظام عبر المراوغة والاستهتار بالفعل السياسي” والإقامة في الكذب”( أبوبكر السقاف), حيث أضحت المعارضة عاجزة لا بل خائنة ولا تستطيع أن تقنع الشارع الذي يأس من حوار لا يفضي إلى حلول للأزمات, وذهب الفاعلون السياسييون إلى تسويات زادت على أثرها مشكلات المجتمع تعقيدا, هذا الوضع يفسر أزمة العملية السياسية بين النظام والمعارضة الذي أفضى بدوره إلى خروج الشباب للبحث عن فعل خارج سياق العملية السياسية

قد يعجبك ايضا