قراءة لكف الوطن العربي

عــلي الفهد


هذا هو عنوان قصيدة من ديوان “الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل” للشاعر المعلم عبد العزيز المقالح وآثرنا أن يبقى هو نفسه عنوان هذه القراءة والتي هي قراءة من الدرجة الثانية أو قراءة في القراءة.
ودال “القراءة” في شعر المعلم يحمل مدلولات خاصة وغير مألوفة في السياقات التواصلية العادية ولا حتى في السياقات الشعرية العربية القديمة والحديثة إذ نجد الشاعر يوظف دال القراءة في علاقات جديدة وغير مألوفة ويمده بحيوات كثيرة فلم يعد هذا الفعل مقتصرا على تهجي الكلمات المكتوبة بل وسع دلالته ليصبح الكون كله كتابا مفتوحا واتخذت القراءة في كتاباته مفهوم التقصي والسبر التحليل والتركيب فهم وإدراك لظاهرة /الموضوع الذي يتم قراءته من خلال فعل مزدوج يتراوح بين فك وتشفير للعلامات ولا يقتصر فعل القراءة في شعر الدكتور المقالح على العلامات اللغوية بل يتسع ليدخل في فعل القراءة كل الموجودات والظواهر والسلوكيات بعد أن يترجمها في عملية شعرية إلى علامات لسانية وجمالية عالية .
والشاعر في هذا النص يقرأ في أسلوب جديد ومختلف كف الوطن العربي في إشارة منه إلى أن الكف استعارة عن الوطن العربي الواحد إلا أن القراءة للكف غير القراءة بالكف فالكف هنا صار موضوعا للقراءة ولم يعد الأداة التي تحلل العلامات وتركبها للوصول إلى المعرفة كما هو حاصل في علوم التنجيم وقراءة القواقع .
من العنوان يمرر الشاعر عتبا كبيرا على كفة الكف الغير عادلة ولهذا كانت موضوع قراءة إلا أنه عتب المحب المخلص لأنه يعاتب جزء من الذات /الجسد (الوطن العربي).
القصيدة من مجموعة “الكتابة بسيف الثائر علي ابن الفضل ” في مرحلة تعد من أهم المراحل للتحولات الفكرية والشعرية في حياة الشاعر المقالح والمجتمع اليمني والعربي على وجه العموم ,وهي المرحلة التالية لمرحلة ثورات وتحولات عربية مهمة والتي اكتشف الشاعر فيها أبرز المهيمنات الخفية التي تعبث بجسد الأمة العربية الواحدة .
ولأن الشاعر المقالح يمتاز عن بقية الأصوات الشعرية العربية في علاقة تجربته الشعرية بالوجود وقضاياه والتي استطاعت أن توائم بين الغنائية العالية والوعي الفكري العميق دون أن يسطح الفكري العبارة الشعرية بل على العكس يزيدها جمالا وعمقا وتوهجا عاطفيا يلتحم مع الوعي الفكري فيضيء الموضوع الشعري من أطرافه البعيدة وزواياه المجهولة .
وهذا الخاصية يتفرد بها الشاعر المعلم عن أغلب مجائلية من الشعراء إذ يستلب الوعي الحس الغنائي عند بعض الشعراء و يغيب الوعي في حرارة الانفعال عند آخرين.
وفي هذه القصيدة تدب ثنائية الحياة والموت لتشكل هذه الثنائية أبرز مداخل النص . والذات الشاعرة تقرأ العالم بحرقة المكتشف للخيوط الخفية التي تشرخ الجسد الواحد إلى بقع متعددة .
بقع للظلö
وأخرى للدمö
نهر للقات
ونهر للأفúيون
طفل تقتله – فوق سرير الذهب – التخمة
ومئات الأطفال يموتون على صدرö الحارة …”
ينتشرون بثورا في جسدö الجوع .” (المقالح عبدالعزيزقراءة في كف الوطن العربي ديوان الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل الأعمال الكاملة مج2 إصدارات وزارة الثقافة والسياحة صنعاء : 576)

في المقطع الأول يقف على ثنائية الحرمان والترف التي تتوزع على بقع الكف الواحد فالكف هنا هو رمز الوحدة العربية بأبعادها الستة إلا أن الكف الواحد صار متباينا إلى بقع للظل هنا استعارة عن الأمن والرفاه في العيش أما البقع الأخرى فهي للدم والدم هنا استعارة عن الحرب والاقتتال والموت وتتناسل هذه الثنائية في الأسطر الشعرية التالية “نهر للقات “المتعة القليلة لتمثل الطرف المأساوي من الكف وتقابلها “نهر الأفيون” المتعة في ذروتها وتشتد القلة الكثرة من الواحد المتخم والكثرة المعدمة مع أنهم منحدرون من نفس الكف ومن نفس الفئة العمرية ومن نفس الفصيلة الآدمية بشر والبقعة الجغرافية والدين واللغة . كل هذه الموحدات لا تغني شيئا مادام جسد الوطن العربي تمزقه مقاصل التشرذم .
و يمثل المقطع الثاني امتدادا للثنائية السابقة فالمحرومون يثورون /يموتون يحتربون .لكن المتخمون يمسخون الثورات ويجسد هذا المقطع ما كنا عليه في التاريخ العربي القريب وما نحن عليه اليوم بصورة مستشرفة .
ولابد من إشارة إلى اللحظة التي كتب فيها النص فقد كانت النظرية البنيوية في ذروتها في الفكر العربي والنقد والأدبي وهذا واضح في أثرها العميق في هذه الرؤية التي تنفذ من سطوح الموضوع إلى الأعماق الحقيقييه للحدث لتستكنه ما هو جوهري من الموضوع فتحفر فيه لتبعثه مشبعا بالوعي ومشبوبا بالعاطفة الإنسانية النقية والمسؤولة
ولهذا حين نقرا المقطع الثاني من النص نقول ما أشبه ليلة هذا الك

قد يعجبك ايضا