في موكب الخلود
بقلم/ رئيس التحرير
شيع الوطن أمس جثامين 30 من شهدائه الذين طالتهم أيادي الخسة في مستشفى مجمع وزارة الدفاع في الأروقة والمكاتب في غرف العمليات الجراحية وعلى أسرة المرضى وهو متيقن أنه سينتصر بهم ولهم.
شيعهم وهو يرى فيهم أكثر من كونهم جثامين تحملها الأعناق وحسب بل نجوما ناصعة البياض تصعق أنوارها ليل الغدر الحالك ترسم في ضحى صنعاء المكلوم هالة قزحية الألوان تتناغم مع الأبيض والأحمر والأسود الذي يلف النعوش الصارخة ملء صنعاء (شهداء ياوطني نموت ولاعزاء للقتلة).
شيعهم الوطن وشيعتهم قلوب اليمنيين بالقبلات كان الجرح ينزف والدمع يذرف لكن أرواحا مليئة بالوطن والشجاعة والاستبسال كانت هناك ترفرف على النعوش التي تحفها ملائكة السماء تبتسم وتزغرد.
أرواحا نورانية مغمورة بالفرح الفارهö والبهجة الباذخة تتهادى على رؤوس المشيعين توزع ورودا غير مرئية وكؤوسا تتدفق بإكسير الثبات ذلك أنها انتصرت في معركة الدم وكسرت وحشية الطلقة والشظية والقذيفة وصفعت وجه الإرهاب بإنسانيتها ووطنيتها فأثخنته.
شهداء ياوطني لا تستطيع درر المراثي إنصاف كبريائهم وإن استمدت حروفها من أبجدية الخلود. وفلذات أكباد ماكان لها أن تغرب بعد.. ماكان لها أن تتصدى لوحشية الباطل وتغوله منفردة ووحيدة إلا لأنها فضلت النصر على الانكسار واختارت المجد على الاندحار فكانت وطنا يفدي وطنا وضوءا يهدي مسارات أيامنا القادمة.
سيلملم الوطن جراحه بالتأكيد كما هو دأبه وسنكفكف دموعنا معه وسنمضي على درب الجندي الشهيد والضابط سيمضي اليمن إلى غايته دولة ورئيسا وشعبا سيمضي بلا انكسار تقوده عزيمة سمية الثلايا وابتسامة القاضي النعمان سيمضي ليجتث أوجاعه بمشرط جميلة البحم وصمود الجعدبي والسفياني والشرعبي والقادري إلى آخر قائمة الكواكب النيرة.
صحيح أن الفجيعة عميقة والصدمة تستعصي على التوصيف لكن لن يستسلم اليمن فمع اقتراب الفجر تشتد وطأة الليل وعند أزوف لحظة الميلاد تشتد أوجاع المخاض وقبل أن يخضل الحقل بالقطر تعوي الرياح السود وتستأسد.
لكل ذلك فاليقين الذي تبعثه اليوم تلك النعوش الطاهرة في وجدان كل يمني يقول: إن الشر لن ينتصر ولن تطغى إرادته في وطن الأباة والحضارات ولن يبقى الإرهاب ولا حواضنه ولن تستمر حفلات الخوف الدامية ولا تواتر رسله بالموت العدمي.
هذا هو عهد اليمنيين لكل شهدائهم عهد لا يتزحزح بعزيمة لا تلين بأنهم سيدحرون جند الشيطان وسينتصرون للمستقبل للحياة للإنسان للحب والسلام.