السينما فن وصناعة

■ طاهر علوان


■ طاهر علوان –

يشهد عصرنا ثورة تكنولوجية في وسائل الاتصال والاهتمام الدائم والمستمر بوسائل الاتصال يبرهن على مدى قدرة هذه الوسائل على النفاذ والتأثير .
وقد حمل التقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال شروط قيام ثقافة جديدة تحمل معها إمكانيات محاصرة الثقافات الوطنية وهو ما سماه (مكلوهان)بالثقافة الالكترونية الجديدة التي ساهمت فيما يمكن اعتباره أزمة تحديد الشخصية الوطنية كما كرس علاقة التبعية للبلدان غير المصنعة للبلدان المتقدمة تكنولوجيا. وأضعف من قدرة الأولى على المحافظة على خصوصيتها وكينونتها.
ولم يعد خافيا ذلك التأثير البالغ على مختلف الشرائح الاجتماعية وفي مختلف المراحل العمرية بالمواد الإعلامية تلفزيونية كانت أو مسموعة بفعل التقليد أو التقمص أو الاستيعاب في العقل الباطن. ولهذا التأثير دور في تكوين الذات وتشكيل الشخصية.
ويأتي دور وأهمية وسائل الاتصال من قدرتها المتعاظمة على التأثير على الحياة الاجتماعية ومن المؤكد أن السينما هي من أهم تلك الوسائل وتبقى كما كانت دوما فنا وصناعة والشكل التعبيري الأكثر حساسية في العالم. وبالفعل فإن لغة السينما وأسلوبها الجذاب جعلها أكثر انتشارا وتأثيرا وفاعلية.
إن إرساء صناعة سينمائية مرتبطة بواقعنا وتعكس همومنا وأحلامنا وتكون رافدا ثقافيا حقيقيا نابعا من تربة هذا الوطن المبارك وثمرة من ثماره ستكون وفاء لهذا الأصل الذي نمت منه وللمبادئ والقيم التي أوحت لهذا الغرس أن يرى النور.
إن وجود سينما يمنية كمرآة لواقع مجتمعنا وعاكسة لهمومنا وأحلامنا أمر ضروري لتأكيد الهوية الثقافية لبلدنا. فمن الضروري أن تندرج السينما ضمن السياسات الثقافية والبرامج الاقتصادية التنموية على المستوى الوطني .
إن بلدا كاليمن له من العمق الحضاري والتاريخي ماله جدير بأن تقوم فيه صناعة سينمائية خاصة بعد أن أصبحت بلادنا ملتقى لمختلف الاتجاهات والسياسات الثقافية والاقتصادية ونحن لسنا ضد الانفتاح على الثقافات الأخرى ولكن الانفتاح له شروط أقلها أن تكون لنا مؤسسات ثقافية مستقلة.
إن انفتاح العالم التابع على هذه الوسائط تجعل المجتمعات عرضة لعدوان دائم على ثقافتها ومعتقداتها وأفكارها كما أن هذه السمة الثقافية لا تسمح بأن تبني في الذات ثقافة متماسكة. ويبدو أن غزو الأفلام ذات الخلفية الهدامة والتي لا تقف عند تشويه الثقافة الوطنية واستهجانها بل وتروج لحياة مجتمعها بنمطها الاستهلاكي الذي يصل إلى درجة النهم الاستهلاكي هي مصدر الخطر الأكبر على الثقافة المحلية المهددة بالاندثار.
ويعرف الاقتصاديون خطر انتشار نمط الحياة الاستهلاكية على التنمية لا من حيث الإنفاق الاستهلاكي فحسب بل من حيث خلق صعوبات أمام أولويات التطور الاقتصادي في البلاد حيث يضطر إلى استيراد ما لا يلزم استيراده وتضييع ما لا ضرورة لتضييعه. إن هذا الاستلاب الاجتماعي وهذا الإثراء على حساب قيمنا الوطنية وعاداتنا وتقاليدنا سببها ذلك التهافت على تلك الأفلام ذات الصبغة الاستهلاكية والتي لا تهدف إلى تغيير نمط حياتنا نحو الأفضل بقدر ما تهدف إلى ربطنا بأسواقها وإغراق أسواقنا بمنتوجاتها الاستهلاكية وجعلنا نلهث خلف الوهم بكل ما أوتينا من ضعف اقتصادي وكساح اجتماعي. ومن ضمن الأسباب الرئيسية والتي تعتبر من سلبيتنا القاتلة ذلك التهاون بقدراتنا ومواهبنا الوطنية والتي لا زالت حتى اللحظة تعاني من ذلك التجاهل المميت والإحباط المدمر ولم تتح لها فرص العمل والإبداع وممارسة حقها الإنساني في الابتكار والخلق الفني.
ولكي نتمكن من مواكبة العصر وننطلق من دائرة التقوقع على الذات لا بد أن نضع أمام عيوننا هدفا كبيرا واحدا وهو أن نتلمس طريق الارتقاء الفني وأن نبعث في أنفسنا رغبة التعلم وحافز التحدي ولن يكون ذلك إلا إذا عرفنا الفرق بين الأصالة والزيف والحيوي من الساكن وبما يعمق الاعتزاز بالشخصية الوطنية في مواجهة كل ما يهزها ويحطمها ويحيلها ركاما.

قد يعجبك ايضا