نيلسون مانديلا (ماديبا ) شخصية خلدها التاريخ الحلقة الأولى
د/علي عبدالقوي الغفاري
وأخيرا ودع ماديبا الحياة الفانية مخلدا بين أبناء وطنه الأوفياء الذين أحبوه جراء نضاله الطويل من أجل حياة كريمة لأبناء جنوب أفريقيا ولشعوب القارة السوداء أجمع ودع الحياة بعد 95 عاما كانت هذه السنوات حافلة بالنضال الإسطوري والفولاذي الذي قاد جنوب أفريقيا إلى ميدان الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية بين البيض والسود على السواء وفتح لأبناء جلدته أبواب التعليم والمشاركة السياسية والإقتصادية دون تمييز أو إجحاف بسبب العرق أو الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس ومساء يوم الخميس الموافق الخامس من ديسمبر 2013م خرج الرئيس جاكوب زوما ليعلن لأبناء شعبه وللعالم أجمع أن الزعيم المبجل نيلسون مانديلا (ماديبا) ارتاح من تعب الدنيا ليخلده شعبه ميتا كما خلده حيا.
وكان مانديلا قد غادر يوم الأحد الموافق الأول من سبتمبر 2013م مستشفى ميديكل كلينك الذي أمضى فيه قرابة ثلاثة أشهر خلال هذه الفترة ظل زعيم جنوب أفريقيا التاريخي يصارع المرض الذي يعاني منه وعاد إلى منزله في مدينة جوهانسبرج العاصمة الاقتصادية بعد أن اطمأن فريقه الطبي على استقرار حالته الصحية ولما تتمتع به هذه الشخصية من حب أبناء شعبه فإنه كذلك ظل محل إعزاز وتقدير الكثير في أنحاء العالم الذين خسروا مناضلا أفريقيا وعالميا جسورا .
ويسعدنا أن نسهم ونلقي جانبا من الضوء على جزء من حياته النضالية والتي قادت في نهاية مسيرته الطويلة إلى تحرير بلاده من نظام الفصل العنصري ونشر مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية في أرجاء جنوب أفريقيا والتي تعتبر امتدادا لنضال مارتن لوثر كينج في أميركا وقد تعود سكان جنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة إقامة الاحتفالات والمهرجانات الفنية ابتهاجا بعيد ميلاد الزعيم الإسطوري والتاريخي المناضل نيلسون مانديلا حبا في هذا الرجل الذي حررهم من نير العبودية والقهر والظلم ومن الآن فصاعدا فإن أبناء شعبه والأحرار في العالم سيحيون فعاليات تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته تقديرا وتكريما للإسطورة ماديبا .
ونيلسون مانديلا هو كغيره من الرجال غير أنه الرجل الذي أعطى لبلده ولأفريقيا وللإنسانية من مكارم قوة النضال وعزيمة الرجال على حساب صحته وحياته ما لم يعطه شخص آخر سواء في بلاده أو في القارة نيلسون مانديلا الذي عاد إلى منزله من أحد مستشفيات العاصمة بريتوريا قبل ثلاثة أشهر لم يكن يعلم أثناء سنوات نضاله أن شعبه سيخلده ويكرمه في دنياه في كل شارع وحي ومدينة وأنه سيبقى حديث النضال بعد مماته لعقود قادمة فقد عرف عنه منذ انخراطه في ساحة النضال تصميمه على مواصلة نضاله وكفاحه بكافة الأشكال والصور كما عمل السود في الولايات المتحدة وظل النضال السلمي هو الأقرب إلى قلب مانديلا الذي سخر شبابه من الوهلة الأولى لتخليص أبناء وطنه من حياة البؤس والحرمان والرق والتمييز العنصري( الابارتهيد) الذي كان سائدا في القارة السوداء كيف لا ¿ وقد وصف وضع بلاده جنوب أفريقيا في أكثر من مناسبة أنه كان يعيش حياة القرون الوسطى وخاصة بعد أن أتيحت له الفرصة لمرة واحدة في مطلع ستينات القرن الماضي عندما شاهد العالم لأول مرة يوم خرج متخفيا من جنوب أفريقيا إلى عدد من الدول الأفريقية ليعود بعدها إلى بلده متخفيا ومبهورا لما شاهده في الدول التي زارها منها أثيوبيا ومصر والجزائر وظل نيلسون مانديلا على الدوام يحلم في تحقيق أدنى مستوى من العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية تسود شعب جنوب أفريقيا من نظام كبل سكانه بالقيود والأغلال والحرمان والتفرقة وسخر عامة أبناء الشعب في خدمة الأقلية البيضاء الحاكمة والمهيمنة التي سيطرت على خيرات جنوب أفريقيا لأكثر من ثلاثة قرون وتحديدا منذ عام 1652م حتى نهاية القرن الماضي غير أن الأقلية البيضاء من خلال المشاهدة وشهادة الآخرين عملت بحق وإخلاص على بناء دولة في أفريقيا بنيتها التحتية في كافة مجالات الحياة لا تختلف عن أي دولة أوروبية.
وما كان يمكن أن تتحقق التحولات والإنتصارات التي حدثت في جنوب أفريقيا عام 1994م لولا الإرادة الفولاذية التي تميز بها هذا الرجل الذي يكاد يعد أشهر سجين في العالم تلك التحولات تزامنت مع نهاية الحرب الباردة بين القوتين والمعسكرين التي ولت إلى غير رجعة في تسعينات القرن الماضي والتي تزامنت نهايتها بخروج مانديلا من جزيرة روبن الشهيرة عام 1990م .
وخلال أربع سنوات منذ خروجه وتحريره من السجن ظل الحوار الوطني هو غايته مع النظام العنصري السابق 1990 /1994م) ولأجل نجاح الحوار الوط