إلى الثورة على الاحتلال
د. عبدالعزيز المقالح
في زحام المصاعب المتلاحقة التي تعاني منها بلادنا وتحت وطأة العواصف التي تجتاح الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه لا ينبغي أن لا نتذكر وباحتفاء شديد أهم المحطات التحولية في تاريخنا الحديث وأن لا ننسى شهداءنا والأبطال الذين تقدموا مسيرة الثورة الظافرة ابتداء من يومي السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والرابع عشر من أكتوبر 1963م إلى الثلاثين من نوفمبر 1967م وما حققه النضال الوطني عبر هذه المحطات المهمة على الصعيدين السياسي والاجتماعي من انجازات لا تنكر والتي رغم العوائق والصراعات الجانبية قد شكلت أهم التطورات والنقلات التاريخية نحو التغيير والتحديث والمعاصرة قياسا بما كان عليه الحال قبل الثورة من تخلف وجمود واستسلام لحالات فاجعة من السبات الذي جعل من اليمن في النصف الأول من القرن العشرين «مقبرة للنسيان» حسب تعبير أحد المفكرين العرب . في حين كان أهلها على حد تعبير الشاعر الكبير الشهيد محمد محمود الزبيري «يتحركون كما يتحرك النوام» كما جاء في قصيدته التي مطلعها:
ناشدتك الإحساس يا أقلام
أتزلزل الدنيا ونحن نيام¿
وبعد هذه التوطئة الضرورية والموضوعية أود أن أتحدث إلى القارئ عن هذا التزامن التاريخي العفوي المتلازم في الاحتفاء بهذه المحطات الوطنية الثلاث: سبتمبر أكتوبر نوفمبر. أليس ذلك تلازما عجيبا ومثيرا للتساؤل الجميل¿ في المحطة الأولى تحقق للوطن حلم التحرر من الحكم الاستبدادي الكهنوتي ومعه بدأ الاتجاه الفعلي والحقيقي لمقاومة الاحتلال الأجنبي . وفي المحطة الثانية اشتعلت ثورة التحرر والاستقلال وبدأ الكفاح المسلح والمشروع. أما المحطة الثالثة فقد كانت بمثابة التتويج والانتصار النهائي للثورة واستعادة الوطن الواحد لحريته واستقلاله. والذين يزعمون أن شمال الوطن كان مستقلا لم يكونوا في وهمهم هذا يدركون أنه كان خاضعا لاحتلال اقتصادي ونفسي. وحتى أولئك الذين كانوا يسمون جنوب البلاد بالمحتل وشمالها بالمعتل لم يكونوا يحددون ملامح الاحتلال بأنه اقتصادي يضاعف من الاعتلال السياسي والقهر الاجتماعي وما رافقهما من قمع ثقافي وفكري.
وفي هذا الصدد والحديث يتزامن مع تتابع الاحتفاءات بسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر لا يمكن في اليوبيل الذهبي لثورة 14 أكتوبر أن نتجاهل دورها الجبار في تحقيق التحرر واستعادة الاستقلال. كما لا يمكن إغفال الدور البريطاني العدائي الفاضح والمتصلب للاحتلال البريطاني على ثورة السادس والعشرين سبتمبر بوصفها الشرارة التي هيأت للانقضاض على الوجود الأجنبي فقد تحولت عدن منذ الأسبوع الأول للثورة إلى بؤرة لتجميع المناوئين والمساندين لحكم الاستبداد المندثر وبذلت بريطانيا جهدا بالغا في حشد القوى الدولية والإقليمية وتسليح بعض القبائل وتدريبها لإسقاط النظام الجمهوري وإعادة الحكم الملكي الذي ضمن للوجود الأجنبي الاستقرار والاستمرار. ومن يراجع تاريخ تلك الفترة بدقة وعمق يدرك مدى الضغينة التي كانت تكنها بريطانيا للنظام الجديد وخوفها من دوره في زعزعة وجودها لا في جنوب البلاد فحسب وإنما في منطقة الخليج أيضا.
وليس غريبا بعد ذلك أن تكون بريطانيا التي خرجت من بلادنا مهزومة في مثل هذه الأيام من عام 1967م آخر دولة تعترف بالنظام الجمهوري الذي حاربته بكل عنف واستخدمت لإسقاطه كل الأساليب وألبتú عليه كثيرا من دول العالم. وتبقى في حديث الذكريات إشارة واحدة على قدر كبير من الموضوعية وهي عن الحلم الذي استأثر بعقول المناضلين واستولى على عواطفهم وهو حلم يخص المستقبل والرؤية المتفائلة الناصعة له فأين نحن من ذلك الحلم وتلك الرؤية ولماذا نغرق في التفاصيل الصغيرة ولا نسترجع من ماضينا العظيم سوى الاختلافات والخلافات الثانوية والبحث في قاع المجتمع من خصومات لا أساس لها لتشجيع الانقسامات الطائفية المناطقية والمذهبية في شعب هو في الحقيقة عائلة واحدة وخلافاته سياسية اقتصادية ليس غير.
الأستاذ يحيى حسين العرشي وكتابه الإستبياني عن الاستقلال والوحدة:
بعض الكتب المهمة تأتي في وقتها المناسب وهذا واحد منها إذ يأتي في وقت يشتد فيه الجدل حول مصير الوحدة اليمنية بوصفها طوق النجاة لكل اليمنيين بعد قرون الاحتراب غير المبرر والتنازع على السلطة وتقسيم البلد الواحد إلى ممالك وسلطنات ومشيخات… إلخ. ويضم الكتاب 64 استبيانا مع 64 شخصية يمنية وعربية وأجنبية. وفي مقدمة الأسئلة الاستبيانية أهمية ذلك