ما الأصل الوحدة أم التجزؤ 1
أحمد الأحصب
كنت أشاهد أحد برامج قناة تلفزيونية يمنية جديدة وكان المذيع يحاور ضيفه محمد علي السقاف. والحوار يدور حول مطالب الانفصال وأمور الحراك إلى غير ذلك من شجون القضية الجنوبية. وكم أفزعني جهل المضيف وضيفه كان ذلك عندما سأل المذيع صاحبنا محمدا أو تبرع هذا بالقول بأن اليمن لم يكن واحدا في أي وقت من الأوقات وما أحزنني وافجعني أكثر هو أخذ المضيف (المذيع) لذلك الجواب وكأنه حقيقة مسلمة ولم يستطع الرد على ضيفه ولا مجادلته. وإذا افترضنا أن السقاف وهو الذي يدعي نفسه مثقفا يعرف من التاريخ ما يدحض ويناقض أقواله في ذلك البرنامج فسيكون ما قاله في البرنامج مجرد مغالطة وكذب. أما المذيع فلا عذر له وما أغرب جرأته عندما يناقش قضية لم يطلع على ما يكفي حولها (لم يذاكر). وإلى السقاف محمد وإلى المذيع غير المذاكر أقول :
أولا: كان الأصل هو التوحد في اليمن طوال التاريخ فالدولة في اليمن بدأت واحدة بظهور سبأ وانتهت واحدة وذلك على عكس الكثير من دول العالم التي بدأت صغيرة ثم توسعت وكبرت.
ومراجعة بسيطة لتاريخ البلد ستكشف لنا ما يؤكد أن التوحد هو الأصل والقاعدة لا الاستثناء. وهناك فترات امتدت إلى قرون طويلة لم تشهد اليمن فيها وجود أكثر من دولة. ومن ذلك مثلا الفترة الممتدة ما بين القرن الثامن ق.م والقرن الخامس ق.م(سبأ) وتلك الممتدة من نهاية القرن الثالث إلى مطلع القرن السابع (سبأ وذو ريدان) وكذلك الفترة من القرن السابع إلى منتصف القرن التاسع وهي فترة دول الإسلام المركزية. وكذلك كانت الفترة من منتصف القرن الحادي عشر حتى منتصف القرن الخامس عشر وتلك كانت فترة الصليحيين والأيوبيين والرسوليين. ومن حقب التوحد كانت الفترة من قدوم الأتراك الأول وحتى احتلال البريطانيين لعدن. صحيح أن بعض المناطق كانت تخرج عن سلطات الدول في تلك الفترات كما حصل بخروج سلطنات الجنوب والشرق على الدولة القاسمية مطلع القرن الثامن عشر. إلا أنه كان في سياق التمرد والعصيان الذي أغرى به ضعف الدولة وسلطتها وليس أكثر من ذلك.
ثانيا: لم توجد دولة يمنية لم تسع إلى توحيد اليمن تحت رايتها. المشكلة لم تكن برغبة جزء من اليمنيين في الانفصال وإنما في أن الجميع من طامحين سياسيين ودول ومشاريع دول كانت تريد الوحدة على طريقتها وتحت رايتها. فكان توحيد اليمن عندما يكون مجزأ هدفا دائما لأبنائه ودوله.
ثالثا: أما الدول الانفصالية فلم تكن إلا الدول العشائرية أو القبلية التي كان يرأسها شيوخ عشائر ويعرفون أن دولة وحدة تضم اليمن سيعني خسارة دويلاتهم. وبسبب ذلك فهؤلاء فقط هم الذين كان لهم مشكلة مع وحدة اليمن.