ثقافة العمل .. ظاهرة الملل
خالد الصعفاني


خالد الصعفاني –

.. حينما تزور مؤسسة حكومية قبل منتصف الظهر وتجد أغلب الموظفين خارج مكاتبهم – ما يعني أنهم “فرار” عمل أو تراهم في أقرب سوق قات – فاعلم أننا في اليمن نعيش مشكلة حقيقية وكبيرة مع ثقافة العمل ومع ثقافة الإنتاج المفهوم والقيمة معا .. وان صح هذا – وهو ما سيجزم به أهل الاختصاص في جهات الرصد والتقدير الإحصائي أو الاقتصادي فإننا أمام وضع كارثي ونحن نتحدث عن تطور أو تطوير أو بمعنى آخر نحلم بتنمية ..
.. في اليمن نحضر صباحا للدوام لأن التأخر عن باص النقل يعني أجرة مشوار بمركبة عام أو خصوصي وبالتالي لابد من الدفع .. ونحضر صباحا لأن مكتبا صغيرا يضم جهازا أصغر سيتم إغلاقه بالضبة والمفتاح فنحرم من البصمة التي باتت تشهد علينا بالنجاح في قضية الدوام والعمل .. ونحضر صباحا لأننا نريد أيضا أن نحلل المرتب وملحقاته ونلتمس بركة النظر إلى المدير المسئول أو رئيس القسم حتى والأهم أن يرانا هؤلاء..
.. لكن الموظفين عامة من أول الكشف إلى آخره لا تلحقهم الساعة الثانية عشرة ظهرا وهم في مكاتبهم إلا قليلا , ونستثني من ذلك قيادات حكومية موعد الدوام بالنسبة إليها هو الظهيرة نفسها .. تسأل أين هؤلاء ..! فلا يأتيك الجواب إن كنت غير يمني أما لو كنت يمنيا فأنت تعلم علم اليقين أنهم في أماكن بيع القات أو يطاردون أي مصدر قد يوفر ” تخزينة ” اليوم – وهذا هو الإنتاج الحقيقي اليومي ..
.. شخصيا لا يهمني ترك العمل لصالح توفير “العلاقي” أو لصالح كسر الملل الذي تسرب أثناء ساعات العمل الأربع السابقة أو لأي سبب آخر فالنتيجة واحدة حتى وإن سعت حكومة الوفاق لملاحقة تطور العالم وسرعته وأجنداته بتغيير يومي الإجازة من خميس وجمعة إلى جمعة وسبت ونصف خميس .. ما يهم أن نكون جميعا راضين عن ما نقدمه من أجل العمل والبلد..
.. وبالحديث عن حادثة تغيير الإجازة أنا أتساءل كم نزن في مفكرة العالم الاقتصادية أو التجارية ..! كم نشكل في نسبة الاقتصاد العربي والتجارة التبادلية العربية أو حتى الإقليمية ..! أتمنى أن نكون بالفعل قد استفدنا من الإجازة بثوبها الجديد وهو بالمناسبة ثوب ترددت إزاء لبسه حكومات عديدة سالفة ..
.. أعود للدوام وثقافة العمل واسأل السؤال المحرج والكبير: هل أنت راض عن أداءك في عملك ¿.. والسؤال بمعنى آخر : هل حضورك الدوام يعني لك العمل المطلوب منك من أجل بلدك ¿ ..
.. شخصيا .. أشهد على رجل خمسيني في الهند استقبلني بوجه بشوش ولحية ملفوفة مع الذقن بطريقة هندوسية تجلب الإعجاب .. اخذ مني المعاملة وبدأ ينجز عمله بروح وحماس يثيران الإعجاب , .. وأشهد على مصري يعمل في ناد رياضي بالإمارات العربية المتحدة ذاب وهو يقدم خدمته لرواد النادي وكأن النادي ملك له .. وأشهد على سيدة ألمانية كانت تعرض أشياء لو سألتموني ما هي لقلت واثقا ” ولاشي” يعني منتجات بسيطة ولا تكاد تلفت النظر , لكن الأهم حضورها الذهني أثناء عرضها السلعة وتلك الجدية والتفاعل والثقة وهي تحدثك الكثير عن ما تعتبره هي “الكثير” .. كما أشهد على شباب وشابات صينيات بعمر الورد ينتسبون لجامعات ومدارس ثانوية تطوعوا للعمل في دورة آسيوية أولمبية كانوا يحضرون لعملهم المجاني والطوعي فجرا في الخامسة فجرا ويذهبون لنزلهم في الجامعات بعد العاشرة مساء .. هؤلاء كانوا شموعا تذوب في خدمة الوفود وتنشر الابتسامة المجانية والترحيب في كل مكان ومع الجميع , وكانوا يلبون احتياجات الرياضيين بصورة تبعث على الإعجاب والتقدير الكبيرين .. وحين تسأل أحدهم ما الذي تتحصل عليه مقابل كل هذا يقول لك: شهادة خبرة وفرصة للاحتكاك بالأجانب وتمثيل بلدنا بصورة أفضل لدى الغير ..
أخيرا :
.. أقول بكل أسف وشعور بالتعاسة أننا في اليمن لا ننتج “شيئا” مقارنة بغيرنا .. وهذا أمر ليس فيه تجني بدليل أرقام مساهمة قطاع الخدمات في إنتاجنا القومي الإجمالي .. بدليل أن اقتصادنا يقوم على ساق واحدة هي “ساق النفط” .. وبدليل أننا أكثر من يضيع ساعات عمره سواء في مجالس القات أو مكاتب الدوام الحكومي أو بينهما ..
