جنون من نوع آخر

محفوظ حزام

حين تتوجع تثبت أنك من بني البشر وحين تتألم تؤكد أنك إنسان أما حين تبتسم فذلك عين اليقين أن لك روحا ليست إلا لملاك. ((رحمة الله على الحاج أيوب)) ذات يوم قلت:أيها العم : لماذا تخطئ وتبالغ في الخطأ .تأمل في ملامح وجهي ..وبحة صوتي ثم قال بصوته الجهور: بني فلتعلم أنني الآن أقرأ الخطيئة حتى أنتصر عليها وحتى أتخلص منها بل وأتعلم منها!!
قلت: عجيب مثل هذا الأمر وكيف ذلك ¿! وماذا تتعلم منها . قال: أتعلم منها أن النور هو الحقيقة والصحة والنشاط والطاقة والأمانبل انه كل قيم البقاء والخلود هدأ قليلا ثم استأنف بقوله:يا بني لقد قرأت الخطيئة لتحقيرها والوقوف أمامها بقوة لقد قرأتها لأجل الخلاص منها تماما صحيح أن الإنسان قد كفر بها أزليا وربما لأجل ذلك أنا اليوم أحاول بقوة أن لا أكون لها عدوا ولا صديقا لكني اليوم أستطيع أن أتخلص منها بأسلوب إيجابي غير عنيف.. أليس لمثل ذلك الأمر أهمية عندك ¿قلت: بلى لكن ألا ترى أنك اليوم في التسعين من عمرك ¿قال أدرك ذلك¿ كما أدرك أن النور بأعماقنا يمتد ثمره كثيرا مع ارتفاع نسبة السلام الداخلي وسترسل في كلامه العميق إلى أن قال : وكيف تراني اليوم ¿قلت : أروع من الأمس قال : إذا نحن متفقين قلت:طبعا والحديث عن المسلمات تشكيك فيها لكني كنت أريد أن أرسم ردة فعلك ¿قال: وهل لمستها قلت: نعم ولونتها. ولا أخفي أحد أنه كلما تجاذبت الحديث مع تلك الروح يمكث صداه كثيرا حتى هذه اللحظة ليس إلا لأنه كان جدا صادقا.
و كأني الآن أسمع صوت النور يقول:
أنا منكم كلكم لأني موجود فيكم كلكم وكنت كذلك لأنكم بأعماقي كلكم ولذا صار من الصعب أن أكون مع طرف دون طرف وبات من العدل أن أكون مع الحقيقة التي لن تملكونها جميعا إلا بمحبتكم لبعض وتوحيد أهدافكم صوب ما يخلصكم من كل شيء يشدكم ناحية السرابولهيب الأوجاع ((صوت النور دائما جميل ولذا يجب أن نتعلم منه أيضا)).عدت من جديد أخاطب النور.
أيها النور:اليوم أرى الغضب تتسع ملامحه على جدران منازل جيراننا وأرى حارتنا كمن يتسكع في ناصية الأرصفة إما باحثا عن قلب حان يجره نحو ما يستحقهأو لاهثا حول ملاذه الأزلي ليريه أن يضع بداية خطوته . أيها النور:هل سيأتي يوم ونحترم المجانين والذين نحن من ساهمتا بطريقة أو بأخرى في ضياع جزء كبير من عقولهم!!!!!
في الحقيقة لكم يحزنني أن أرى طاقات تهدر وعقول تذهب إلى الغيبوبة.
ويسعدني أكثر عبارة مجنون حكيم سمعتها منه منذ قبل عشر سنوات في أحد شوارع العاصمة وأنا أتسوق لوالدتي ومازلت أتأمل فيها ونصها (( لا أحد في وطني سعيد فمن لا تتعبه الحياة هو يتعب نفسه لا أحد في وطني سعيد فمن لا يتعبه الحزن تتعبه القسوة لا أحد في وطني سعيد فمن لا يتعبه الفقر يؤرقه الظلم لا أحد في وطني سعيد لأن الجميع لا يعيش إنسانيته)) .وفعلا لكم هي طامة كبيرة وجسيمة أن يحرم شخص من شيء هو بأمس الحاجة إليه لأن ذلك معناه الإصابة بداء النقص الذي يجر معه الكثير من العلل والتأوهات ومن آفاته أن من أصيب به واستحكم فيه سيبقى عطشانا لا يرويه شيء غير الموت.
أحبابي :إن عبارة المجنون الحكيم ليست جدليه لكنها أصابت كبد الجرح هل هناك من سيكابر ويقول : بأنها كانت بعيدة عن الواقع ¿وهل هناك من سيكذب ليلعن نفسه ¿
أعزائي: إن العبارة طمأنتني بأن المجانين حكماء وأنهم أكثر سعادة منا وربما كانت ملابس بعضهم رثة وملامح وجوههم أكثر اتساخا لكن يكفي أن أعماقهم متوقدة بالنور الذي نفتقده كثيرا . وفي كل الأحوال هل للجهات المعنية أن تستثمر مثل هؤلاء المجانين العقلاء وتأوي من دونهم وتحافظ على بنية المجتمع بمن يفكر أن يلتحق بهم ((وهم كثر)) .
وبالتالي تتعطل القدرات.
وقبل الختام سأقول : لرب الأسرة:
هل هناك رب أسرة يعرف أين يحب أن يتجه بقاربه ¿ وأين سينجح أكثر ¿ وكيف يحدد منارته¿ طبعا الإجابة للسواد الأعظم تؤكد بالنفي وعدم الإدراك وهنا لازم نعرف أين يكمن سبب العبث وازدياد الأوجاع وضياع الأوقات وآفة الصراع وأتساع رقعة الفشل والخيبة والاضطراب في التوجه و..و…!!!
أما جاري العزيز فأقول له :
يا جاري لا تسألني لماذا نحن دائما أرحم قلوبا وأقرب خطوة لحامل الخطيئة ونناصره بقوة ¿ولقد سبق وأن قلت: ((فقط))لأنه أكثر الناس احتياجا إلينا وبأنه لولا قسوة المجتمع لما أخطأ ولأني آمنت على سبيل التأكيد إن أغلب من يخطئ أو يجن هم أكمل الناس وأكرمهم نفعا وعطاء وأحكمهم عبارة. أسأل من الله أن يحفظ للإنسان عقله وأن يزيده نورا. ويبقى لحديث الرحمة بقية.

قد يعجبك ايضا