إنجاح الحوارالوطني انتصار لإرادة التغيير
كتب/ المحرر السياسي
□ بالنظر إلى التاريخ المعاصر للشعوب والمجتمعات البشرية يعد اليمن واحدا من تلك الشعوب إن لم يكن من أكثرها التي عانت فصولا طويلة من البؤس والحرمان والظلم الاجتماعي والصراعات وفساد أدوات الإدارة في ظل تسلط وهيمنة أنظمة حكم تعاقبت لعقود مسخرة مقدرات البلاد للتشبث بالسلطة وشراء الولاءات وإضعاف فاعلية الحياة السياسية لتصبح إما مهادنة مرتهنة أو عاجزة واهنة.
إلا أن الظروف التي هيأتها الأقدار الإلهية لهذا الشعب باتت اليوم مواتية أكثر من أي وقت مضى ليتغلب على آثار سنوات من الضياع والحرمان والغيبوبة الوطنية وصولا إلى تحقيق فعل تغييري جذري يكفل له مستقبلا أكثر إشراقا في ظل الدولة العادلة القوية القائمة على أسس الحكم الرشيد والحرية والديمقراطية الحقة والشراكة الوطنية والمساواة وهي في مجملها الأحلام الكبيرة التي لطالما راودت إرادة أبنائه الحرة على مدى عقود.
ولكل ذلك فليس أمام نخب البلاد السياسية من خيارات سوى الإيمان بأهمية هذه اللحظة التاريخية بكل تفاصيلها والمضي نحو إنجاح آخر الملفات المطروحة على طاولة مؤتمر الحوار الوطني الشامل بكل تجرد ومسؤولية وحرص على مصير هذا الوطن بعيدا عن المراوغات الجوفاء ومحاولات البحث عن بطولات شخصية واهمة أو مصالح أنانية قائمة على الابتزاز الرخيص والمراهقة السياسية.
بل إن التحلي بهذا الإيمان في هذا المنعطف بات الشرط الأساسي الذي بمقدوره التسريع بطي صفحة واحد من أكثر الحوارات الوطنية التي شهدها تاريخ اليمن المعاصر إدهاشا سواء من حيث الإعداد والترتيب له أو من حيث شموليته وإجراءاته أو من حيث الروح الإيجابية التي سادت فرق عمله أو لجهة حجم المشاركة المجتمعية فيه فضلا عن استفادته من مختلف الخبرات الإنسانية المماثلة.
وهو ما يجعل من هذا الحوار الكامل والشامل تجربة استثنائية في حياة شعب طيب ومتسامح وصبور يتوق إلى رمي الماضي الذي أنهكه على كافة المستويات وراء ظهره خاصة في وقت تحظى فيه إرادته الوطنية بدعم وتأييد دوليين غير مسبوقين وفي ظل قيادة وطنية حكيمة صادقة وصامدة تدرك أن الرهان الحقيقي يكمن في إنجاح الحوار الوطني ليتسنى البدء في مرحلة البناء والتأسيس للدولة الوطنية الجديدة.
وذلك يعني أن الرسالة التي ينبغي للقوى والمكونات السياسية التقاطها هي أنه لا مجال أمامها للتراجع أو الهروب من استحقاقات هذه اللحظة الناصعة لأن الخيارات المتاحة أمام الجميع محصورة ومحددة في طريقين لاثالث لهما فإما إنجاح الحوار والعبور إلى يمن جديد يتسع للجميع ويشارك فيه الجميع وإما الانهيار ومواجهة مصير بائس يشهد عليه المجتمع الدولي محفوفا بغضب الشعب ولعناته.
ومن المؤكد أن الخيار الأول هو رهان الضمائر الوطنية الحية ومن المستبعد أن تسمح بالانزلاق إلى سواه خصوصا وأن كل الأطراف كانت أجمعت منذ البداية على كلمة سواء أكبرها العالم لليمنيين وباركها باعتبار أن الحوار هو الملاذ الآمن والأسلم للتأسيس للمستقبل ولمعالجة أخطاء الماضي وخطاياه على حد سواء وعلى أساس أنه الوسيلة السانحة لتشكيل عقل الدولة الوطنية وإقرار بنيتها المستقبلية وتحديد العلاقات بين مكوناتها بشكل يحقق المقصديات المثلى من وجودها.
لهذا يجب إدراك أن التصرفات الانتكاسية التي تحاول بعض الأطراف التلويح بها الآن غير مقبولة على الإطلاق سواء تلك القوى التي تحاول التبشير بعصر جديد يحتفي بالهويات العنصرية الواهمة أو تلك التي تصر على اختزال البعد الوطني في الدفاع المستميت عن مصلحة شخص أو مجموعة أشخاص فضلا عن تلك الأطراف التي تتخيل أنه بات باستطاعاتها تحويل مؤتمر الحوار الوطني إلى مناسبة انتهازية صاخبة لاستعادة انتكاسات الجغرافيا وتشظياتها القبيحة.
صحيح أن ملفات الماضي كثيرة ودامية ومتراكمة ومعقدة لكن بالإرادة الصادقة يمكن تخطيها دون أن تلقي بثقلها على زاوية الرؤية الصحيحة أما إثارتها والتمترس خلفها في اللحظة الراهنة بغية تسجيل نقاط استقوائية أو لغرض فرض مخرجات بعينها على طاولة الحوار لا تلبي الطموح الجمعي للشعب فإن مثل هكذا افعال لا تعني سوى الاستغلال الفج للوظيفة الوطنية الملقاة على عاتق القوى السياسية والحزبية ناهيك عن القصور الكبير الذي يحكم طريقة تعاطيها مع قضايا الوطن المصيرية.
والحاصل ان حق الشعب اليمني ان تتوفر له فرص الخروج من ازماته والانعتاق من إخفاقات وأخطاء وصراعات الماضي بالولوج الى آفاق التغي