أريد أن أتفاءل .. ولكن!
< خالد الرويشان

في واقعة غير مسبوقة تمت سرقة المتحف الوطني قبيل العيد بأيام .. سيوف قديمة لا تقدر بثمن ومخطوطات جلدية نادرة لا يمكن تعويضها ضاعت بين عشيةö إهمال بلا كهرباء وضحى غائب عن الوعي وعن المسؤولية!.. حدث ذلك في قلب العاصمة ووسط ما يشبه الثكنة العسكرية من إدارات للأمن والتوجيه المعنوي والبنك اليمني للإنشاء والتعمير!
أحزنتني الواقعة وأحنقتني .. أحزنتني لأن دلالاتها كارثية بكل المقاييس فها هو أغلى وأهم ما يمتلكه اليمن يسرق وينهب وهو في حöرúزه أي في المتحف!.. فكيف به وهو في الجوف أو مارب وغيرهما¿!.. أما أن الواقعة أحنقتني فلأن أحدا لن يحاسب أحدا أو يعاقب!.. وإذا تم تحقيق ما فإن مآله أدراج الإهمال والنسيان شأنه شأن كل الجرائم والكوارث التي حدثت خلال ما يقرب من الثلاث سنوات!.. فالدولة مشغولة بالحوار .. وكأن الحوار يمنعها أن تعاقب سارقا أو تحاسب ناهبا!
ربما لا تعرف النخبة الحاكمة والحكومة الغافلة النائمة والمتحاورون الحائرون على حد سواء أن أغلى وأهم ما تملكه اليمن على الإطلاق قابع في هذا المبنى القديم المسمى المتحف الوطني .. إنه أغلى وأهم من البنوك وما فيها وحقول النفط والغاز وما تحتها ومن ديناصورات السياسة ودهاقنة الحوار والتقاسم .. عشرات الآلاف من القطع الأثرية التاريخية النادرة والتي لا تقدر بثمن كانت وستظل -إذا لم تـسرق!- الشهادة الأقوى على حضارة الشعب اليمني وإنجازاته وثقافته وإبداعه الإنساني عبر العصور.
صحيح أن سرقة المتاحف تحدث في بعض الدول بين آن وآخر .. لكنها تحدث في دول! تحقق وتحاسب وتعاقب .. وتستعيد ما سرق أو نهب .. أما دولتنا المبجلة ..! ماذا أقول¿! .. ذلك ما أحزنني وأحنقني!
لا أريد أن أتشاءم .. رغم أني أتذكر أن سرقة ونهب متحف بغداد كان هو المنحدر نحو هاوية اللادولة وبئر اللاإرادة ومستنقع اللاإدارة من يومها حتى الآن!.. ولم ير العراق عافية بعدها بعد أن وقع في حبائل التقاسم وشöراك المحاصصة والمخاصصة .. والإخصاء!
كنت أحب أن أتفاءل خلال أيام العيد .. لكن برقيات التعازي في مستهل نشرة التاسعة كل مساء تؤرق روحي وتقض مضجعي وتبدد تفاؤلي!.. أبناء الدولة وفلذات جيشها وأفذاذ أمنها يتساقطون كل يوم في معركة غريبة غامضة .. بلا قتال أو مواجهة!.. في ذمة من¿ ولمصلحة من¿.. الأكثر مدعاة للألم والحزن أن نتساءل .. لمصلحة من هذا الغموض الصامت وهذا الإبهام الجاهل¿.. لمصلحة من هذا الإصرار على بقاء قيادات أثبتت فشلها وربما تواطأها!.. لماذا لا يتم تغيير أي مسؤول عسكري أو مدني لا يقوم بواجبه كما يجب¿
في حضرموت يتندرون على حكاية القاعدة التي حاولت أن تحتل قيادة عسكرية قبل أسابيع .. فالتفاصيل لم تعد خافية على أحد!.. وللأسف فإن كل ذلك على حساب جيش البلاد وكرامته وسمعته .. وبلا أية دواع وطنية أو موضوعية أو حتى حقيقية!
كنت أحب أن أتفاءل خلال أيام العيد!.. لكن كارثة الجنود في أبين قبل أمس ومعارك تعز وقبلها حادثة الأستاذة الجليلة غادة الهبوب نكأت الجراح وأسالت الأحزان ..
ألöف باء الإدارة أن تكافئ المحسن وتجازي المسيء .. أن تحاسب وتعاقب .. حاسب بالتحقيق وعاقب بالإقالة! وهو أقل ما نتوقعه!.. لأن مقتضى الأمانة أن تقوم بذلك! أما من سبق أن أحيل إلى نيابة الأموال العامة فلا يجب ولا يجوز ولا يليق أن يتم تعيينه في أي موقع حتى تثبت براءته!.. وللأسف فإن هذا حدث ويحدث!.. والنتيجة شرخ في روح البلاد وكسر لأحلامها وتوقعاتها.
إن أكبر خدمة يهديها نظام لاحق لنظام “سابق” هي أن تسوء الأحوال أكثر مما كانت عليه سابقا!.. في البداية قد يغض الناس الطرف عن سوء الأحوال لأنها نتاج ما مضى .. لكن الصبر ينفد عندما يطول العذاب والانتظار وفي الظلام.
نحن بحاجة ملحة وعاجلة لقدر من الحزم والحسم وترياق من الحب للوطن والناس وحفنة من الحماس والإخلاص وهنيهة مع وجوهö الشهداء وعيونهم .. تلك الوجوه التي لولاها لما اعتلى أحد كرسيا أو تسنم منصبا .. أو تسلم بلادا.
