(التجربة السنغافورية في مكافحة الفساد)

جمال عبدالحميد عبدالمغني

 - حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي كانت سنغافورة مستنقعا للفساد ووكرا للمافيا والمتاجرين بأقوات الشعب السنغافوري وناهبي خيراته وثرواته الشحيحة أصلا.
حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي كانت سنغافورة مستنقعا للفساد ووكرا للمافيا والمتاجرين بأقوات الشعب السنغافوري وناهبي خيراته وثرواته الشحيحة أصلا.
ولأن جميع بلدان العالم الكبيرة منها والصغيرة كسنغافورة فيها جميعا مقومات الرخاء والعيش الكريم على الأقل لأفقر البلدان وخبراء الاقتصاد يعرفون هذه الحقيقة إذا أن ضرائب أي بلد اذا جبيت بشكل سليم وكذلك باقي موارد البلد واعيد توزيعها بعدالة بين أفراد الشعب من قبل نظام حكم عادل ورشيد وفقا لضوابط وقوانين رادعة لمن تسول له نفسه المساس بحق الشعب- إذا تحققت هذه الأمور بدون أدنى شك ستتوفر فرص العيش الكريم لكل فرد في المجتمع مهما كانت موارده شحيحة لماذا¿ لأن الثروة ستتوزع على الجميع بدلا من تكدسها بيد 2% أو حتى 5% من السكان وعندما يتخلى التاجر والمسؤول عن المال الحرام الذي يعلم أنه أصلا ملك للمجتمع ويكتفي بأرباحه الحلال ستكون خزينة الدولة قادرة على مواجهة أعباء المجتمع وتوفير العيش الكريم لجميع أفراده وخلق فرص العمل اللازمة وإنجاز المشاريع الكفيلة بتحريك عجلة التنمية بالسرعة المثلى.
وكمثال حي لصحة هذا الكلام اضطر الشعب السنغافوري في منتصف التسعينيات لإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد كوسيلة اخيرة لإنقاذ هذا البلد الصغير والفقير من غول الفساد المدمر لكن التوجه كان جديا بناء على نصائح دولية وجهود وطنية مخلصة وفعلا انشئت الهيئة وصدر القانون المنظم لعملها مانحا صلاحيات كبيرة جدا لاعضائها الذين تم اختيارهم بعناية فائقة وفقا لمعايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص والشجاعة والولاء الوطني وغير ذلك من الأسس بعيدا عن المحاصصة الحزبية والمناطقية ومراعاة مصالح مراكز القوى أي بطريقة تشبه عمليات اختيار المنتخبات الرياضية في بلدان العالم المتقدم وليس في البلدان المتخلفة ومنها بلادنا بمعنى إن لم تختر أفضل العناصر لديك فلن تحقق نتائج.
والنتيجة السريعة للتجربة السنغافورية كانت مذهلة ففي السنة الأولى تضاعفت موارد الخزينة العامة السنغافورية وكانت تتدفق الأموال من الضرائب وغيرها بشكل مذهل أثناء وبعد محاكمة متهرب ضريبي كبير بمجرد بث المحاكمة علنا فتلاحظ أن الجميع يقدمون إقراراتهم عقب مشاهدة منظر المتهرب الذليل والحقير أمام الشعب على شاشات التلفزيون بمبالغ مضاعفة عن الاقرارات السابقة وخلال أعوام قليلة أصبحت سنغافورة واحدة من النمور الاقتصادية الأسيوية.
والمفاجاة أن سنغافورة حلت في المركز الأول عالميا مناصفة مع الدانمرك في الشفافية والخلو من الفساد في عام 2010م.. وهكذا تنهض الشعوب.

قد يعجبك ايضا