العيد عيد العافية
جمال عبدالحميد عبدالمغني

لم يعد أمام اليمنيين إلا ترديد هذا المثل اليمني الشهير والذي يقال لمواساة النفس وتخفيف الألم عن المعسرين الذين أصبحوا هم السواد الأعظم داخل هذا البلد الغني بخيراته وثرواته وموقعه وتنوع تضاريسه ومناخه والغني أيضا برجاله ومبدعيه والفقير بإداراته وندرة المخلصين من قادته وأصحاب الكلمة الفصل في إدارة شؤونه.
العيد قادم بعد أيام فكيف سيواجه 95% من السكان متطلبات هذا العيد الذي أصبح كالكابوس الرهيب بالنسبة لأولياء الأمور كيف سيواجه من يتقاضى مائة ألف ريال راتب شهري احتياجات العيد على افتراض أنه يعول ثلاثة أولاد بالإضافة لزوجته هل يستطيع أن يضحي بكبش صغير ثمنه 30 ألف ريال ويشتري ملابس بمبلغ 30 ألف ريال أيضا لأولاده ويدفع مثلا إيجار غرفتين 20 ألف ريال بالإضافة إلى 20 ألف ريال المتبقية سينفقها لشراء جعالة العيد وتسديد فواتير الخدمات بمعنى أن مرتبه سينتهي يوم العيد وعلى افتراض أنه لا يتعاطى القات ولا يدخن والسؤال من أين سيوفر احتياجات بقية الشهر الضرورية¿
مع ملاحظة أن المرتب الذي حددناه افتراضيا هو كبير جدا ولا يحصل عليه إلا قلة من الموظفين وكذلك حجم الأسرة المفترضة هي محدودة .
علينا أن نتخيل كيف سيواجه العيد من لاتصل دخولهم إلى 40 ألف ريال أو أقل وكيف سيمر عليهم هذا الزائر المخيف وكيف سينظر أولادهم وبناتهم إلى أولاد الأقلية المترفة في هذا العيد الذي يفترض أن يكون فيه الناس سعداء وأن يحصل فيه كل مواطن على ما يكفيه ويكفي أسرته وأن يشعر الجميع بكرامتهم وعزتهم.
طبعا أنا أقول هذا الكلام من منطلق علمي الراسخ أن الفساد يلتهم ٪90 من مقدرات البلد وخيراته وموارده وهذا الوضع مستمر منذ عقود إلا أنه يتفاقم يومأ بعد يوم صحيح أن البلد يمر بفترة بالغة التعقيد وقد أنجز الكثير خلال الفترة الانتقالية لكن الفساد لازال يستفحل ولم نحقق أي إنجاز يذكر في الطريق للقضاء عليه ومالم يتم القضاء على الفساد فلن تقوم للبلد قائمة.
من خلال دراسة قمتا بها في المنتدى الوطني لمكافحة الفساد في عام 2010م توصلنا أن ما يسرقه التجار وبالذات الكبار منهم 1.5 تريليون سنويا ومن الزكاة أكثر من 100 مليار ينفقونها بمعرفتهم لشراء الذمم وكسب الولاءات بدلا من تسديدها لخزينة الدولة ناهيك عن الجمارك والنفط والغاز ومؤسسات القطاع العام والمختلط والمناقصات والمزايدات والهبات والتبرعات والقروض والمساعدات الدولية .. إلخ.
أخيرا لن يستقر الوضع ويستتب الأمن إلا بالقضاء على الفساد.
