في المنعطف الأخير..
محمد المساح
قال لها سنلتقي بعد غد.. قالها بصوت خافت أقرب إلى الهمس.. كانا متباعدين يفصل بينهما فضاء فارغ ولم تكن هناك ريح تهب بذلك الفراغ فربما كانت سمعت كلماته كلها.. لكن ما وصل إليها وسمعته تحديدا من الجملة بدايتها «سنلتقي» ليس بالضرورة تحديد المكان.. والزمان متى وأين.. وأن كان إيراد مثل هذه الأمور ضروريا في الحكايات.
تباعدا.. وكان الوقت لديهما يسمح لهما.. بأن تستفسر منه لو يعيد الجملة كاملة لأن أذنيها لم تلتقطا سوى كلمة « سنلتقي».. لكنها لم تفعل وهما يتباعدان «وقد أنبت نفسها بعد أن غاب كيانه في منعطف الدرب» ماذا لو كنت استوضحته وقلت له متى.. وأين¿ توقفت وقد تحول التأنيب في نفسها إلى انزعاج وغضب.. الأمر الذي دفعها إلى التفكير والقرار.. وماذا.. لو ركضت وربما تلحق به قبل أن يغيب في منعطف الدرب الأخير.. وهي في وقفتها تلك تتناهبها الأفكار.. والشعور بالندم وبقية المنغصات الأخرى من الحرد على النفس والألم الذي يحرق القلب ويشوي الكبد.. كرت.. وعزمت على أن تركض خلفه هي وحظها تعذر عليها الجري والركض.. فمنذ أن عرفت نفسها لم تركض.. ولم تعرف الجري.. كان العزم شديدا.. في النفس ومشت بسرعة كانت أقدامها تسرع بالمشي.. بطريقة جعلتها تستغرب تلك الحالة من الاندفاع الغريب.. الذي جعل القدمين تركضان وتجريان بالفعل.. تجاوزت المنعطف الأول.. وزادت أقدامها من إيقاع الركض.. وشاهدت كيانه في مدي المنعطف الأخير.. وصرخت تناديه بكل ما أوتيت من طاقة.. حين وصلت المنعطف الأخير كان قد غاب وأختفى.