المعقول واللامعقول في حياتنا !!!
سامي عطا


من سلطة القوة إلى دولة الحق. أن توصيف الأنظمة العربية في علم السياسة يندرج تحت مفهوم الأنظمة السلطانية لأنها تعتمد مبدأ القوة فوق الحق أي أنه نظام لا تاريخي يحقق استقراره معتمدا على القوة وملحقاتها المتمثلة بالبطش والعنف وهذه الأنظمة لا تحقق استقرارا وإن حققته فإنه يكون استقرارا مؤقتا سرعان ما يفقد مبرر بقائه نظام كهذا مآله الزوال والاندثار ولو بعد حين إن من يدرس حالات الأنظمة السياسية وتطورها يدرك هذه الحقيقة إن تغير حال هذه الأنظمة يتطلب ترسيخ فكرة التقدم وإعلائها إن الإيمان بفكرة التقدم مقدم على إحداثها ناهيك عن ضرورة إحداثها بوتيرة متسارعة التقدم واقع لا محالة بيد أنه يختلف في وتيرته حيث يمكن أن يكون سريعا أو يسير بخطى وئيدة. لذا فإن الأنظمة التي لا تستفيد من الخبرات البشرية وتحاول تقليص المسافات فإنها تحكم على نفسها بالموات والاندثار.
لما كانت المجتمعات تختلف في مستوى تطورها وهذه الاختلافات تفصح عن تجارب تكاد تكون متشابهة وإن تفاوتت في مستوى تطورها وما كان للمجتمعات التي بلغت أرقى مستوياتها أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا أنها حاولت وأخطأت وتعلمت من أخطائها أي أنها استعانت بمنهج المحاولة واستبعاد الأخطاء. ذلك يعني أن تلك المجتمعات التي تحتل الصدارة في سلم التقدم أسست أنظمتها من عدم وفي صراع مع مجهول فلم يكن أمامها خبرات سابقة تستفيد منها. أما وضع التخلف الذي نرزح تحت وطأته لا يحتاج إلا إلى عزم وتصميم وإرادة ما نحتاجه ليس إلا مشروع رؤية وبرنامج نهضة يؤمن بضرورة التقدم ويأخذ بالحسبان كم الخبرات البشرية المتراكمة بعين الاعتبار ويضع هذه الخبرات تحت الفحص النقدي وبذلك يمكننا أن نتجاوز تخلفنا بأيسر الوسائل وأقصر الفترات لأن كم الخبرات السابقة كبير جدا أي أننا صحيح كيانات سياسية متخلفة ولكنها كيانات سياسية محظوظة لأنها ترتكن إلى خبرات إنسانية ناجزة ولا نحتاج إلا إلى قراءة نقدية ثاقبة نستخلص منها العبر والعظات..
ومن المفارقات العجيبة في حياتنا الأخذ بالمشورات التي تقدم لنا بانتقائية عجيبة ومن دون تمحيص ولا تدقيق حيث تم فرض الوصاية على شعوبنا في مجال الحريات وآليات اشتغال الديمقراطية تحت مبررات وحجج تخلف مجتمعاتنا وجرى منح أنظمة الاستبداد والطغيان صك غفران تحت مبرر التخلف وأن المعايير الديمقراطية معايير مختلفة بالنظر إلى مستوى تطور المجتمع وعليه جرى شرعنة تجاوزات الأنظمة السياسية في العالم الثالث تحت حجج ومبررات هذا التخلف الاجتماعي وأن المسألة الديمقراطية والحريات المدنية في المجتمعات الغربية لم تصل إلى هذا المستوى إلا لأنها استوفتا زمنهما الكافي وعلينا أن نراعي هذا الأمر فلا يمكن بلوغ ذاك المستوى دون أن نضع الشرط الزمني بعين الإعتبار التقدم في هذا المجال مرهون زمنيا أي له بعد تاريخي إذ يتم تسويق فكرة الصبر ولا ينبغي استعجال قطف ثمار التقدم فالزمن كفيل بإنجازه.
وفي المقابل يتم تطبيق سياسات وإجراءات اقتصادية كالخصخصة واقتصاد السوق المفتوح وتحرير الأسواق وغيرها من إجراءات اقتصادية دون النظر إلى الاعتبارات الزمنية ومراعاة الفوارق في زمن التطور.
وكما هو معروف أن التطور الاجتماعي بنية ونسق متكامل فيه تلازم بين أدوات ووسائل السياسة مع الإجراءات الاقتصادية فالمستوى الذي وصلت إليه المجتمعات المتقدمة جاء حصيلة تطور أخذ مداه وزمنه الطبيعي وفيه حدث هذا التلازم بين السياسي والاقتصادي.
هذا يقودنا إلى استنتاج أن إقبال أنظمتنا ونخبها السياسية على برامج ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين دون مراعاة مثل هذا التلازم لم يكن بريئا أو هو نتاج جهل بقدر ما كان يلبي مصالح نخب لصوصية مخاتلة وجدت في مثل هذه الوصفات والإرشادات الاقتصادية وسيلة نهب كل مقدرات الأمة ومن يقرأ حصيلة هذه السياسات الاقتصادية منذ بدء تنفيذ مشروع كالخصخصة مثلا يدرك أنه لم يكن إلا إجراءا اقتصاديا فقد فيه المجتمع مقدراته وسوغ للقلة نهبها فلقد تم الترحيب بهذه السياسات الاقتصادية وترويجها لا بل والدفاع عنها ولم نجد أحدا من خبراء هذه الصناديق يعترض على مثل هكذا إرشادات ويضع حجج وبراهين التخلف الاجتماعي ويطالب بالزمن الكافي لإنجاز مثل هذه الإجراءات الاقتصادية وأثبتت التجربة أن إجراءات اقتصادية كالخصخصة لم تكن إلا مسوغ للقلة الحاكمة في هذا البلد حققت بواسطته مصالح اقتصادية وهي مصالح غير مشروعة.
ومن الملاحظ هنا غياب ثقافة الوصاية على الناس ولم تحضر كما حضرت سابقا عند الحديث على الإجراء
