خطاب “ما بعد الاستعمار”
■ صدام الشيباني

في إطار العلاقة شغلتني كثيرا مقولات النقاد الغربيين الذين اتجهوا الى تفكيك العلاقة بين الشرق والغرب , وإعطاء مسميات مختلفة لطبيعة العلاقة , ( صدام حضارات , حوار , تشنج علاقة , تطوير علاقات ..) وأخص بالذكر : تيري إيجلتون , وإدوارد سعيد , وتزفتان تودوروف , ونعوم تشومسكي .. وغيرهم , إذ كنت أرى ان هؤلاء المفكرين اهتموا بالقضية العربية – الاسلامية حرصا منهم على مراقبة الشؤون الحضارية في العالم , من اجل فضح النظم المهيمنة وتعريتها أمام الرأي العام الدولي . لكن هؤلاء كتبوا خطابا نقديا موجها الى الداخل الغربي أولا , بسياقه العام والخاص , والى العالم الخارجي لأنهم يدركون جيدا انهم يقرؤون خارج الحدود الغربية , ولأنهم أساتذة النظرية النقدية (مابعد الكولونيالية ) كما يسمونها هم , فهذا الخطاب النقدي فيه الكثير من المضمر , الذي لم تمر فوقه الترجمة , أو لم تستطع أن تدركه , لخصوصية الخطاب . وما أثار حفيظتي ما كتبه الناقد الفرنسي الجنسية (تزفيتان تودوروف ) في كتابه (الخوف من البرابرة , ماوراء صدام الحضارات ) الذي ترجمه : جان ماجد جبور , إصدار هيئة أبوظبي للثقافة , 2009م , لما للعنوان من إثارة تعمد المؤلف إظهارها لتحقيق المزيد من القراءة على المستوى المحلي / الفرنسي , أو الخارجي / العالم العربي الاسلامي . كون البربرية والكلام عن الحضارات شأنا شغل العالمين خاصة بعد أحداث سبتمبر , الحدث الذي غير مجرى الخطاب النقدي الى البحث عن القيم الثقافية في الخطاب وأثره في المتلقي . فكلمة (برابرة) تحيل الى المقصدية الغربية لهذه العلامة , من وجهة نظرهم , وهم (العرب) , في حين ان هذا المصطلح أطلقه العرب على الغربيين في القرون الوسطى , عندما وجدوهم خارج السياق التاريخي لتلك المرحلة , وأعاده السياسيون الغربيون لينعتوا به العرب الذين – بدورهم – خرجوا عن السياق التاريخي المعاصر , فالبربرية بقدر ما هي نقد للتوجه الغربي المهيمن , هي إظهار صورة شائعة عن العرب والمسلمين في الأسواق الأوروبية والأمريكية , ووضعها في الموقع الإشهاري , لأن العالمين يعيشان التوتر بصيغه المختلفة . وقد أعاد تودوروف هذه العلامة الى اليونان على أن من لا يتحدث اليونانية بربري , أي الآخرون , ص20 , بمعنى أن هذا المصطلح خرج من الغرب والى الغرب , ولا أحد يستطيع تشخيص الحالة الغربية , لأن الغرب هو المركز قديما وحديثا , هذا ما يوحي به المؤلف . والخوف من البرابرة هي الحالة النفسية التي يقف فيها كتاب غربيون كثر وسياسيون , وفيها يتهم المسلمون بكل طوائفهم وتاريخهم بأنهم عنيفون ودمويون وبربريون , والناقد يدفع هذه الحالة ويتهم الغرب بممارسات وسلوكيات وسياسات ضد المسلمين , وان حالة العنف التي تتولد هنا وهناك سببها الاستعمار الغربي , محذرا الغرب أن حالة الخوف من البربرية سوف تقود الى (البربرية ) على ان الغرب يعيش حالة ظلم وانه ضحية نفسه , وهذا غير صحيح , لأن حالة الخوف حالة معلنة وهي مصطنعة صنعتها مراكز الإعلام الغربية حتى تبرر الوسائل التي ستتعامل بها مع المسلمين . وهناك خوف يعلنه الناقد تزفيتان على ان الحالة الإنسانية هي غربية , وأوصت بها المسيحية , وهذا الخوف يأتي من هذه الحالة الإنسانية المرهفة , وأن الثقافات الأخرى غير إنسانية , وهذا مضمر في الخطاب , ولو كان صادقا لبحث عن الإنسانية في الثقافتين . لكن الخوف المضمر في خطابه التقدي هو حرصه على أن لا يقع تحت دائرة التحيز للغرب . ومع هذا وقع في التحيز للغرب بصور متنوعة , وهي :
1- قسم العالمين الى (عالم الخوف ) و(عالم الحقد) , أوروبا عالم الخوف , والإسلام عالم الحقد , متناسيا ان الخوف الحقيقي في عالم الإسلام , الذي لا يمتلك فيه أسلحة كيميائية متطورة , ولا تكنولوجيا تكافئ التكنولوجية الغربية , وقد دمرت دول عربية وإسلامية وراح ملايين الأبرياء في الحروب الهوجاء , أما عالم الحقد , فيقول المؤلف سببه الغزو الاستعماري الغربي . وهذا ليس صوابا على الإطلاق , الاستعمار عند أخرج جزءا من قواته,و اختار نخبا سياسية داخلية تحكم هذه البلدان , فنشأت ثقافة داخل هذه البلدان تعتبر الاستعمار صديقا , ومازالت تتعامل معه الى هذه اللحظة . منها دول الجزيرة العربية , ودول الساحل الشمالي الأفريقي , إذ أقامت شراكة مع الغرب , وإن وجد ت طائفة تحقد , فهذا الحقد مسيطر عليه من قبلهم .
2- قسم الثقافات الى حضارة وثقافة , وأن الحضارة أشمل وأكمل من الثقافة , فالغرب امتلك الحضارة / المادة والروح , والإسلام امتلك ثقافة روحية فقط , وإن كان قد تكلم عن بعض الجوانب المادية للعرب , فقد حصر ذلك في الماضي , اما الحاضر فجردهم من أية قدرة على الإنتاج , متناسيا أن الغرب دمر مفاعل باكستان النووي , ودمر العراق الذي كان يوجد فيه 8000 عالم عراقي في كل المجالات , ودمر قدرة مصر الدفاعية في السبعينات , وهو اليوم يدعم الجماعات ال