كغريق يحاول أن يتذكر كل شيء
عبدالمجيد التركي
أكتب الآن وبداخلي رجل ثمانيني يدخöن سيجارة طويلة بأصابع مرتعشة وفم خاو يتذكر بداية معرفته بأسنانه اللبنية.. كغريق يحاول أن يتذكر كل شيء وهو يعلم أن الوقت المتبقي لديه ليس كافيا لأخذ نفس طويل كي لا يموت وهو يلهث.. وليس كافيا لخلع ملابسه ليلقى الله متخفöفا من كلö شيء.
هذا الرجل الذي أحمله بداخلي يتوقف لألحق به وأصبح من أترابه يريدني أن أتقمص شخصيته وأسعل كثيرا مثله وأخبöئ البلغم في منديل قطني كبير كمنديل حسن عابدين الذي كان يمسح به صلعته وهو على خشبة المسرح..
في بداية الأمر كانت تستهويني ساعة الجيب التي يتم تعليقها في الصدر كنت أرى الارستقراطيين الطليان والإنجليز يخرجونها من جيوبهم- في الأفلام- والغليون في اليد الأخرى..
تمنيت كثيرا لو أنني أنتمي لتلك العصور وأرتدي قبعة وبنطالا عريضا وأمشي ببطن مترهöلة وشارب عريض أبيض لأجلس على أحد الكراسي الطويلة التي تنتصب في الحانات أمام المشرب لأطلب من النادل كأس مارتيني بالتفاح ثم أضع على طاولته ورقة نقدية كبيرة تتسع لكرمي وأنصرف دون أن آخذ الباقي.
كانت أحلامي واسعة.. العيش بتلك الطريقة مريح ودون تكلفة.. والأفلام الأمريكية تضيف أفقا أوسع للهرب من الآفاق الضيقة التي ندور في أفلاكها..
وحين تضيق أكثر أبتسم لنفسي ابتسامة زائفة تشبه ابتسامة فتاة معجون الأسنان..
أحتاج أحيانا كثيرة لهذا الزيف وأفرح به كما يفرح المتسوöل بورقة نقدية زائفة.