ثقافة القوة

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - أصبح من البديهي القول إن الحروب لا تترك إلا أثرا مدمرا في الحياة بكل تموجاتها النفسية والثقافية والاجتماعية وكل ذلك قد ينعكس على السلوك السياسي الذي يتفاعل
أصبح من البديهي القول إن الحروب لا تترك إلا أثرا مدمرا في الحياة بكل تموجاتها النفسية والثقافية والاجتماعية وكل ذلك قد ينعكس على السلوك السياسي الذي يتفاعل مع ذلك الأثر إلى أن يصبح فعلا تصادميا حتى مع قيم الخير والسلام والحق والعدل.
والقارئ المتأمل في مجريات الحدث السياسي الذي احتضنه القرن الماضي يدرك أن اليمن لم يخرج من بوتقة الصراع إلا ليعود إليها محملا بكل تراكمات الماضي وأوجاعه كما أن المتأمل أيضا يدرك أن ذلك الصراع لم يكن صراعا موضوعيا بل كان ذاتيا والأمر من كل ذلك أننا لم نفكر في لحظاتنا العابرة بمشروع حضاري يستطيع أن يقودنا إلى مخارج مثمرة ويجتاز بنا دوائرنا المغلقة التي وضعنا أنفسنا فيها وأغلقناها علينا.
أنا لا أنكر أن الميثاق المقدس كان نواة مشروع بيد أن الثابت تاريخيا أنه لم يكن مشروعا يمنيا بل كان وافدا لكنه استطاع أن يستلهم الخصوصية الوطنية في مضامينه ويلبي طموحات مشروع المد الديني في بعده النظري القائل بأن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن.
ذلك المشروع حسب معطيات عصره تداخل فيه القومي مع الوطني لكنه ولد مقتولا كما يبدو على اعتبار أن الذي حدث بعد حركة الدستوريين في 1948م لم يكن امتدادا لها بل كان منقطعا عنها من حيث الفكرة والسلوك والطموح ومن حيث المناخات الجديدة التي أفرزتها ثورة 23 يوليو في مصر والتي كان لمشروعها الحضاري القومي أثر في عموم الوطن العربي مع استثناءات قليلة.
ذلك الأثر لثورة يوليو كان له مسارات وإتجاهات عدة في مسار الحركة الوطنية فقد كان موضوعيا فاعلا وكان ذاتيا منفعلا وحين أقول موضوعيا فاعلا أكون ناظرا إلى المناخات التي هيأها للحركة الوطنية المعارضة للحكومة المتوكلية بصنعاء وحين أقول ذاتيا منفعلا أكون ناظرا إلى أثر وانعكاسات الحلف الثلاثي الذي تم الإعلان عنه في 1958م بين مصر والسعودية واليمن وأثر ذلك على نشاط الحركة الوطنية الذي وصل في آخر المطاف إلى استبعادها من واجهة الفعل والحركة واستبدالها بقوى لا تمت إلى الحركة بصلة ولا إلى التاريخ النضالي الوطني ولكنها جاءت طارئة وقد أملاها الظرف السياسي المنفعل بعد مؤتمر الحج عام 1961م في جدة الذي قال بتكفير عبدالناصر حين أعلن تطبيق الاشتراكية العلمية وقد مثل اليمن القاضي عبدالرحمن الإرياني فيه وقال الإمام أحمد أرجوزته الذائعة الصيت في الاشتراكية مما أوحى للذات المتحالفة مع اليمن والسعودية إعلان الحرب على الرجعيين (حسب دلالة المصطلح في زمنه).. كان من نتائج ذلك الظرف ثورة 26 سبتمبر عام 62م في صنعاء التي قادها مجموعة من الضباط على غرار ثورة 23 يوليو في مصر بيد أن الفارق بين الثورتين أن الأولى حملت مشروعا حضاريا ونظريا والثانية جاءت تكرارا وربما قرارا منفعلا في لحظات تاريخية ضاغطة بدليل غياب الحركة الوطنية التاريخية واستبعادها كليا أو جزئيا من مجريات الحدث السياسي في بداية عقد الستينات من القرن الماضي وما تلاه. وقد أوحت السنوات السبع التي اعقبت الثورة في ظل غياب المشروع الوطني بأن القوى هي المنطق الأقوى في إدارة شؤون البلاد لذلك كان تحالف القوى القبلية التقليدية عامل ضغط أفسح المجال لأطياف الماضي في البقاء وغيب مظاهر الانزياح إلى الغد أو المستقبل واحبط كل المشاريع الهادفة إلى بناء الدولة المدنية الحديثة التي كان يتطلع إليها كل التقدميين من أبناء الوطن.
إذن يمكن القول إن هناك منازع شتى تجاذبت الفعل السياسي اليمني وحصرته في دوائر الذاتية وخرج من أطره الموضوعية أو الوطنية الخالصة إلى صبغة الذات وهو الأمر الذي حد بعبدالله البردوني إلى القول في كتابه «اليمن الجمهوري» بتعد الجمهوريات فقال بالجمهورية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وتحدث عن كل جمهورية باعتبارها جهدا ذاتيا لا تصدر عن رؤية وطنية واضحة المعالم.
تلك الجمهوريات اختصرتها الجمهورية الرابعة الأطول أمدا والأكثر تجسيدا لمنطق القوة إذ رأت في مبدأ “الرقص على رؤس الثعابين” مشروعا خاصا سلب الوطن خياراته المستقبلية في مقابل البقاء وطول الأمد ولم تكن الشراكة الوطنية في الجمهورية الرابعة للعقل العلمي الممنهج بل كانت للأقوى عددا وتأثيرا وزعزعة لأمن واستقرار الوطن حتى أن الجبهة الوطنية في الثمانينات لم تنل حظا لها في الخارطة السياسية الوطنية إلا بعد أن ايقنت تلك الجمهورية بقوتها وتأثيرها في المسار الوطني.
ذات المنطق كان مسيطرا على قرار الحروب في صعدة وقرار الحرب في صيف 94م وهي الحروب التي كانت مقدمات اللحظة السياسية الجد

قد يعجبك ايضا