تعز أمان الخائفين
د. ياسين عبدالعليم القباطي
مطعم البذيجي أمام جامع السقا الجامع الوحيد في شارع 26 سبتمبر خارج أسوار مدينة تعز. في عام 1967 كان للبذيجي مطعم.. عبارة عن دكان طويل سقفه واطي مزدحم بالناس الذين لا تكاد تراهم من كثر الدخان المتصاعد من مقلى الفاصوليا الحمراء الناشفة وتفوح منه رائحة البصل المخلوط بالطماطم والبهارات تملأ روائح الطبيخ شارع 26 سبتمبر فتشد كل من مر بالشارع من أنفه ليدخل ذلك المطعم المكتظ بالجائعين إلى هناك أخذني البجل بعد أن كنت أعاني من شدة الجوع والتعب ولا أستطيع الوقوف بعد يوم من الجري في الشارع الوحيد في المدينة الغريبة ومن لهفتي وشغفي لأجد شخصا أعرفه نسيت أنني بدون غداء ولم أحس بالجوع إلا عندما وجدت صاحبي الآنسي وأمنت من الخوف من الضياع في مدينة أدخلها لأول مرة كنت فيها أتحاشى لقاء الناس ومخالطتهم كانت مخيفة شاقة وصعبة بسبب عدم التعود على دخول الأسواق وكنت أستحي من الذي أعرفه والذي لا أعرفه.. من أن أخاطبه أو أتكلم إليه فقد تعمقت عقدة الجذام في نفسيتي فصرت أعزل نفسي قبل أن يعزلني الناس.. عقدة الجذام تجعلني أشعر بالنقص وإنه يجب علي أن أتحاشى الاقتراب من الناس قبل أن ينهروني ويأمروني بالابتعاد.
أخذني محمد إلى المطعم و ودعاني للعشاء أكلت الفاصوليا والروتي (خبز طويل يميل إلى الإحمرار ناشف ولذيذ) لأول مرة أذوقه أكلت بنهم شديد وطلب محمد أطباق الفاصوليا الناشفة المكسية بلون الطماطم والزيت عدة مرات يطلبها أكلت حتى شبعت ثم شربنا الشاي بالحليب فقال لي محمد: ما الذي أتى بك إلى هنا ¿¿ كان سؤاله مفاجئا لي لم أجد جوابا سريعا لو اكتشف البجل أنني أتيت للعلاج من الجذام سأفقد صاحبي دليلي الوحيد في دخلها لأول مرة . قلت له – وبدون تردد- ابحث عن أخي محمد عزيز” وكان أخي قد غادر القرية لينضم إلى المدافعين عن الجمهورية منذ قيامها في 1962 وكان مختلفا مع عمه الملكي وهو الآن عسكري مع جيش الجمهورية ولا نعرف عنوانه” . قال محمد البجل “أخوك كان هنا قبل أربعة أشهر و نقل إلى الحديدة ويعمل عسكري في سلاح المدفعية”. فرحت فرحا شديدا بهذا الخبر أستبشرت وشعرت كأن الله يسهل لي كل شيء ويقودني إلى الخلاص من محنتي.
تركنا مطعم البذيجي المكتظ وذهبنا إلى سكن صاحبي في حارة المستشفى الجمهوري السفلى جهة وادي المدام مقابل مقبرة عتيقة مكتظة بالقبور غير مسورة يلعب الأطفال والكلاب بين قبورها و السكن هو غرفة واحدة بدون مياه ولا كهرباء رغم إننا نجاور مولدات الكهرباء المزعجة التي يملكها المحضار بوادي المدام ولا يوجد حمام في الغرفة التي استأجرها صاحبي البجل هو وعامل من أنس قضيت ليلتي معهم في جو تعز اللطيف حيث لا برد ولا حر غير أن نباح الكلاب يعاضد الألم ويجعل نومي قلقا مضطربا.
أنا لا أعلم أنني قد صرت قريبا جدا من الهدف الذي أسعى إليه ويبدو أن بقائي في تعز سيستمر لأن العودة إلى أنس صارت من الأمور الصعبة فمن المستحيل مواجهة أخي بذنب سطوي على صندوقه وهروبي الى جبلة ثم تعز وأخذ جنيهين من صندوقه دون علمه وكذبي عليه بأنني ذاهب إلى السوق وأعود اليه.
لا فائدة لن أعود إلى آنس تعز ستصير موطني وسوف أبحث عن المستشفى وأتعالج من المرض ثم أعود إلى آنس للزيارة فقط كتمت سري ولم أسأل البجل ولا صاحبه عن المستشفى ولن أدعهم يكتشفون مرضي وغدا سأبدأ رحلة البحث عن المستشفى الذي وصفه لي الشخص الذي قابلته في القاعدة .
وفي اليوم الثاني ذهبوا إلى أعمالهم على أن نلتقي ليلا للنوم.
في الصباح اتجهت صاعدا عقبة غير مسفلتة يسمونها عقبة مفرح حتى وصلت إلى مقهى صغير يبيع الشاي وخبز الطاوة والخمير يسمونه مقهى الإبي تخدمنا فيه امرأة نشيطة تصنع ألذ ما ذقته من شاي باللبن بأكواب زجاجية صغيرة لا تكاد تكمل الأول حتى تطلب الثاني و بعد تناول الفطار سالتها عن المستشفى الجمهوري وكانت دهشتي كبيرة عندما أشارت إلى مبنى قريب فوجدت إنني بجانب هدفي ذهبت إليه مسرعا فوجدت أناسا كثيرين مكتظين ينتظرون مشاهدة طبيب الجلد وعرفت أن الطبيب روسي فتملكني الرعب وتذكرت مأساتي مع الطبيب الروسي في صنعاء فترددت قبل ان أدخل ولكن بعد هذا التعب والمشوار الطويل سأدخل ليكشف علي الطبيب الروسي وليحدث ما يحدث . وعندما وصل دوري و دخلت على الطبيب وبمجرد أن شاهد وجهي فاقد شعر الجفنين والرموش أنفي متورمة وعليها آثار النزيف وصوتي يكاد يخرج من أنفي شاهدني الطبيب الروسي فبدت عليه علامات الخوف فصدمت به قبل أن يتكلم كما صدمت بزميله الروسي في صنعاء وحاولت الخروج من الغرفة والهروب من