أحزابنا العتيقة..
عبدالله دوبلة
أن أحزابا وتيارات سياسية نشأت نتيجة لظروف وتحديات القرن العشرين بعد انهيار الدولة العثمانية مطلع ذلك القرن والاستعمار الغربي هل يمكن أن تكون هي ذاتها الإطار السياسي والفكري المناسب لمواجهة التحديات التاريخية الراهنة في القرن الحادي والعشرين.
كان السؤال الوجودي العربي في ذلك الوقت هو ما العمل بعد انهيار الدولة العثمانية¿!.. فكرتا القومية والإسلامية هما محاولتان للإجابة عن ذلك السؤال من خلال تصورات بديلة للدولة العربية على أنقاض الدولة العثمانية التي كانت تغطي ولمئات السنين مساحات واسعة من العالمين العربي والإسلامي.
فقد كان الخوض في الإجابة عن ذلك ضرورة تاريخية وحاجة ملحة في ذلك الوقت لكن هل لا يزال هذا السؤال هو ذاته السؤال الوجودي الراهن للشعوب العربية وقد انتهت إلى دويلات وطنية تواجه كل منها سؤالها الوجودي الخاص.
لا أحد هنا في محل تمجيد أو تسفيه الهم الوجودي العربي المشترك في تعبيراته القومية أو الإسلامية أو في محل إدانة الدويلات الوطنية الراهنة أو الدفاع عنها المهم هو أن هذه الدولة الوطنية هي الواقع الآن وأنها رغم ذلك لا تزال تواجه تحديات وجودية أيضا.. ربما هي أخطر من ذلك التحدي الذي خلفه انهيار الدولة العثمانية. فقد كانت التصورات التي تبحث في مواجهته تذهب إلى تطلعات وحدوية وإنسانية عامة كشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية. فيما يتجه التحدي الراهن لخيارات أكثر انقساما باتجاه عصبويات جغرافية ومذهبية ضيقة.
قد تحاجج التيارات القومية والإسلامية في التنصل عن المآلات العربية الراهنة و في تحميل الاستبداد والعامل الخارجي المسؤولية عن ذلك ولا تزال تحمله إن يكن السؤال هو هل يمثل استمرار وجود مثل هذه التيارات حاجة الآن بعد هذا الفشل¿!. ما الذي يجعل من تيار سياسي فكرته الوجودية القومية العربية أو الخلافة الإسلامية أمرا مفهوما في حين التحدي الراهن هو حول مستقبل الدولة الوطنية التي لا تزال مسألة وجودها ذاته في محل إدانة وإنكار في فكر وأدبيات ذلك التيار.
فقد كان مفهوما أن يفكر حسن البنا في فكرة الخلافة حين التأسيس لجماعة الاخوان المسلمين فقد كان قريب عهد بها فيما كان يعرف بالخلافة العثمانية وحيث لم يكن أمر الدولة الوطنية أو القومية قد حسم بعد فهو لم يكن استثناء في ذلك فقد كان يعبر عن جدل ذلك الجيل كما هو الأمر مع فكرة القومية العربية فقد كانت طموحا مشتركا لكل الأمم التي بدأت تتشكل في كيانات سياسية في ذلك الوقت.
ما ليس مفهوما هو أن تتوقف هذه التيارات القومية والإسلامية عند ذلك الزمن وعند اكتساب فكرة وجودها من ظروفه وتحدياته التاريخية دون إحساس بتغيرات الزمن وتحولاته سيجادلون أنهم ليسوا كذلك لكن لا شيء في أدبياتهم يشير إلى أنهم لم يعودوا كذلك الآن.
لا أحد يطلب هنا من هذه التيارات التخلي عن تطلعاتها العروبية أو الإسلامية فالمشتركات القومية والدينية من العوامل التي لا تزال مؤثرة في الأمة لا أحد يجادل في ذلك لكن ما أشير إليه هو أمر آخر تماما. ربما هو السؤال عن حاجة الزمن الراهن وتحدياته لمثل هذه التيارات التي تستمد فكرة وجودها ولا تزال من ذلك الزمن المختلف.
للإيضاح أكثر ما الذي يجعل لمنتم إلى حزب كالتنظيم الناصري مثلا القدرة على القول أن الناصرية هي ما يحتاجه بلد كاليمن ليواجه التحديات التاريخية التي تهدد وجوده الآن.
سيحاجج إصلاحي أن حزبه هو ذلك الحزب لكنه لن يملك إجابة عن مسألة الحاجة للخلافة في تراتبية الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم وصولا إلى الدولة المسلمة والخلافة وأستاذية العالم هو لا يعرف حتى كيف هي الدولة لتكون مسلمة أو كيف هي أستاذية العالم! صحيح أن أدبيات الإصلاح الحزب تخلو من كل ذلك لكن من قال أن هي من يعتمد في التنشئة والتثقيف الحزبي.
الأصعب من ذلك هو أن يقنعك متحزب اشتراكي أن حزبه الاشتراكي اليمني أنه اشتراكي وأممي بالفعل وقد صغر مشروع الرفاق ليختصر في فيدرالية الإقليمين وتقرير مصير الجنوب وان سلمت باشتراكيته أين هو “صراع الطبقات” والعمال والفلاحين في بلد كاليمن..
لا أحد يتحدث هنا عن المؤتمر فهو شيء مختلف تماما سيقولون ترف الحديث عن هذا الأمر.. لكن إن لم يكن الحزب فكرة قبل أي شي آخر فما هو إذا¿!.
سخرية المفارقة.. قوميون و إسلاميون واشتراكيون ووطنيون غير أن لا شيء من ذلك في موفمبيك الآن..