مقاربة عتبة التعيين الأجناسي في روايتي (طريق البخور) و(طوفان الغضب)
■ د. صادق السلمي
تبدو مسألة الوعي بمفهوم النوع الأدبي مسألة مهمة سواء على مستوى الممارسة الإبداعية أو على مستوى التلقي فعلى مستوى الممارسة الإبداعية يفرض الوعي بمفهوم النوع الأدبي على المبدع الأخذ بعين الاعتبار المعايير والشروط التي يتحقق بها النوع الأدبي الذي اختاره إطارا لعمله الإبداعي. وهذا الوعي وإن كان يتحقق في مستواه الأدنى من تراكم معرفي هو حصيلة قراءة الكاتب لنصوص سابقة في النوع المقصود فإنه يشهد مستويات أخرى من الوعي تتفاوت من كاتب لآخر حسب العوامل المحددة لهذا التفاوت كتخصص الكاتب وقراءاته واطلاعه في المجال الذي يكتب فيه والمرونة التي تتمتع بها بعض الأجناس الأدبية عن غيرها ناهيك عن رغبة التجديد لدى بعض الكتاب والتي تحتم عليهم الخروج عن معايير هذا النوع أو ذاك.
إلا أنه وبالرغم مما تبديه عتبة التعيين الأجناسي من سيطرة في توجيه أفق انتظار القارئ وفي كيفية استقباله للعمل/ الكتاب فهذا لا يعني تقيد القارئ بهذا التوجيه ذلك أن فضول بعض القراء سيدفعهم بعيدا عن ما تفرضه عليهم هذه العلامة التجنيسية من إرغامات في حقل التلقي للبحث عن قراءة مغايرة لا تحترم العقد المتفق عليه بين المؤلف والقارئ سواء على مستوى مرجعية العمل الإبداعي كما في حال التعارض الحاصل بين (ميثاق السيرة الذاتية) و(ميثاق التخييل). فإذا لم يكن التطابق مؤكدا بين المؤلف والشخصية والسارد = (ميثاق التخييل) فإن القارئ يحاول عقد مشابهات ولو لم يرغب المؤلف في ذلك أما إذا تأكد التطابق = (ميثاق السيرة الذاتية) فسيميل القارئ إلى محاولة البحث عن الاختلافات(). أو على مستوى الشكل وشروط النوع كما في حالة اختيار عتبة تعيين أجناسي لا تراعي شروط النوع الأدبي الذي كتب به هذا العمل الإبداعي.
ومن المستوى الأخير يمكن الحديث عن عملين إبداعيين للأديب منير طلال الأول: حمل عنوانا رئيسيا (طريق البخور) وعنوانا فرعيا تجنيسيا (رواية تاريخية عن الحملة الرومانية على اليمن)(). والثاني: حمل عنوانا رئيسيا (طوفان الغضب) وعنوانا تجنيسيا (رواية تاريخية)(). والملاحظ أن المؤلف اختار لنصيúه الإبداعيين عتبة تجنيسية تحيل إلى عمل إبداعي يزاوج بين التخييل والمرجعية التاريخية وليس في هذا من إشكالية فالعملان يعرضان أحداثا تاريخية بأسلوب إبداعي.
لكن ما نهدف إليه في مقاربتنا النقدية هو البحث عن مدى الانسجام الدلالي بين ما تحيل إليه الإشارة التجنيسية (رواية) والعملين الأدبيين اللذين تتصدر غلافهما. وبمعنى آخر هل كان الكاتب لدى ممارسته الإبداعية لهذين النصين الأدبيين على وعي بالشكل الروائي أم أن إطلاقه الإشارة التجنيسية (رواية) غرضه استغلال عادات ثقافية تحث على نمط قرائي نوعي ومقولب¿ حسب تعبير برنار فاليط (). وهو تساؤل أثارته قراءة قام بها الباحث للنصين تبين له فيها أن ما كتبه منير طلال في (طريق البخور) و(طوفان الغضب) ينفلت من شروط النوع الأدبي الذي اختاره المؤلف في عتبته التجنيسية – وهو الرواية – لينحاز إلى نوع أدبي آخر هو النوع المسرحي وأن ما يمكن أن نصفه بالروائي في العملين الأدبيين فبعضه مما يشترك فيه النوعان المسرحي والروائي وبعضه حشو يمكن الاستغناء عنه في حالة إلحاق هذين العملين الأدبيين بالنوع المسرحي دون أدنى تغيير يمكن أن يخل بشروط هذا النوع الأدبي.
وإذا كان التعيين الأجناسي (رواية) يحيل إلى ميثاق القراءة بين المتلقي والنص وتكمن وظيفته في تمكين القارئ من ممارسة قراءة واعية بشروط النوع الأدبي وهو ما اصطلح عليه في سيميوطيقا القراءة بـ (الكفاءة الأدبية) التي تتشكل من المعرفة المسبقة بشروط النوع الأدبي() فهو من جهة أخرى يظهر وعي المؤلف التام بمعايير النوع الأدبي وشروط كتابته ذلك أن الوعي بالكتابة عادة ما يكون مقترنا بحركة أخرى يمكن تسميتها بالوعي التنظيمي للعمل الأدبي تتجلى بعض صوره في وضع علامة مميزة درءا لكل التباس مع نصوص أخرى(). وفي مساءلة المتن الأدبي ما يؤكد هذا الوعي أو ينفيه.
وعند محاولة البحث عن المسرحي والروائي في العملين الإبداعيين نجد أن عنصر الحوار يحضر فيهما بشكل طاغ حيث لم يترك أية فرصة لعناصر سردية أخرى في الظهور فلا يكاد القارئ يفلت من حوار ليتلقفه حوار آخر وهكذا دواليك حتى النهاية. وإذا كان الحوار أحد عناصر الرواية فهو في المسرحية عنصر أساسي عليه يقوم بناؤها الفني وهل المسرحية إلا حوار¿. وما يمكن أن يمثل سردا في العملين الإبداعيين فلا يكاد يذكر فجله بضع جمل قصيرة – لا سيما في رواية طوفان الغضب – وبعضه بضع أسطر – كما في رواية طريق البخور – تشكل قنطرة تربط حوارا بآخر وهو في مجمله سرد وصفي يفتقر إلى إضاءة الأحداث واستبطان الشخصيات وفلسفة مواقفها وسبر أغوارها والكشف عن عقدها النفسية والاجتماعية وهي الوظائف التي عادة ما يقوم بها الوصف في الأعمال الروائية. بل إن نظرة بسيط