في وداع الثائر والشاعر الكبير إسماعيل بن محمد الوريث

د. عبدالعزيز المقالح

 - جاءني منذ أيام مغمورا بحزن شديد وهو يناولني قصيدة رثائية كان قد أودعها بعض ما يشوي قلبه الكريم من هموم المرحلة ومخاوفها كانت القصيدة في رثاء الأخ العزيز محمد بن علي الوريث الذي رحل قبله بأيام. وقد تم نشر القصيدة في عدد الخميس الماضي في صحيفة 26 سبتمبر قبل رحيل إسماعيل بيومين اثنين وهي تعبير صادق عن الواقع العربي الملبد بالغيوم السوداء التي لا تمطر سوى دخان ورصاص
د. عبدالعزيز المقالح –
جاءني منذ أيام مغمورا بحزن شديد وهو يناولني قصيدة رثائية كان قد أودعها بعض ما يشوي قلبه الكريم من هموم المرحلة ومخاوفها كانت القصيدة في رثاء الأخ العزيز محمد بن علي الوريث الذي رحل قبله بأيام. وقد تم نشر القصيدة في عدد الخميس الماضي في صحيفة 26 سبتمبر قبل رحيل إسماعيل بيومين اثنين وهي تعبير صادق عن الواقع العربي الملبد بالغيوم السوداء التي لا تمطر سوى دخان ورصاص وتوشك أن تعيد العرب إلى ما قبل جاهليتهم الأولى. كان حزينا مرهقا وكانت العبارات تخرج من فمه وكأنها مؤلفة من قطرات من الدموع لا من الكلمات. ولا أخفي أن تلك كانت حالته في الفترة الأخيرة فقد جعلته حساسيته يضيق بكل شيء ومن كل شيء وهو يرى الأحلام تتساقط واحدا بعد الآخر ويرى الوطن العربي وقد تحول إلى جزر متنافرة تعبث بها أيدي الخونة والأعداء.
كنت أشفق عليه مما يحمل قلبه الكريم من أحزان ثقال وما يفرضه على نفسه من عزلة قاسية لكنني كنت واثقا من أنه لن ينهزم وأنه سيتمكن من مواجهة حساسيته العالية تجاه ما يحدث فقد عودنا جميعا من مراحل سابقة أنه أقوى وأكثر صلابة من الأحداث فضلا عما يتمتع به من ثقة بالشعب ومن اعتزاز كبير بالنفس. وإذا كان الوطن قد فقد برحيله شاعرا كبيرا ومناضلا جسورا وإذا كان اتحاد الأدباء أيضا قد فقد برحيله واحدا من أبرز مؤسسيه الأوائل وأبر أبنائه العاملين وإذا كان مركز الدراسات والبحوث قد فقد بغيابه واحدا من باحثيه المتميزين فإنني أكون قد فقدت فيه صديقا وفيا وزميلا عزيزا يصل عمر صداقتنا إلى أكثر من أربعين عاما.
كان أول لقاء لنا في القاهرة في أوائل السبعينيات وتوثقت صداقتنا أكثر فأكثر بعد عودتي من مصر والعمل في مركز الدراسات والبحوث فقد كان الراحل العزيز واحدا من المشاركين في تأسيس هذا المركز وأثناء عمله في هذا المرفق تابع دراسته الجامعية حيث تخرج من كلية الآداب قسم اللغة العربية ولم يمنعه عمله كما لم تمنعه دراسته من كتابة الشعر والمشاركة في أنشطة اتحاد الأدباء الذي كان يمثل منذ بداياته اليمن الواحد. وإذا كان الشعر قد أخذ النصيب الأوفر من نتاجاته فإن دراساته الأدبية لم تكن لتبتعد به عن هذا المناخ الشعري فقد قام بدور بارز في التعريف بالشعراء وبتقريب الإبداع إلى القراء من خلال إصداره لعدد من الكتب القيمة منها “قطوف دراسات أدبية وفكرية” و”مع الشعراء” و”رواد التنوير في مدرسة الحكمة اليمانية”.
وكان شعره مثل نثره يعكس هموم الوطن ويعبر عن التحولات الفكرية والاجتماعية التي وقفت في وجهها كثير من العوائق السياسية وأشهد أنه كان شجاعا وصادقا في مواقفه وفي تعبيره عن معاناة الملايين وفي اهتمامه بالقضايا العربية التي هي جزء لا يتجزأ من قضايانا الوطنية وما يضاعف من أحزاننا جميعا أن هذا الفارس المبدع الذي ترجل قبل الأوان كان ما يزال في مقدوره أن يقدم الكثير والكثير في المجال الثقافي والإبداعي لكنها إرادة الله ولكل أجل كتاب وفي ما خلفه لوطنه وأمته من آثار شعرية خالدة ومن كتابات متنوعة الاهتمامات ما يضمن له البقاء في وجدان الناس ومشاعرهم تغمده الله بواسع الرحمة والرضوان والبقاء لله وحده.
في وداع الدكتور مطهر عبدالله الإرياني:
فقد الوطن ومجال الصحة في بلادنا الطبيب الشاعر مطهر عبدالله الإرياني بعد أن أمضى زهرة شبابه في خدمة مواطنيه طبيبا وإداريا يتميز بقدرات عالية وبخلق عال ونزاهة منقطعة النظير. وكنت تعرفت عليه قبل سفره لدراسة الطب في إيطاليا ثم التقيته في مدينة نابولي الإيطالية عندما كلفت بزيارة الطلاب اليمنيين في أوروبا الغربية والشرقية وعرفت يومئذ من الكلية التي كان يدرس فيها أنه من أبرز الطلاب المتفوقين على زملائه الإيطاليين وغيرهم. عزاء للوطن وعزاء لإريان ولآل الإرياني وللفقيد من الله الرحمة والرضوان.
تأملات شعرية:
فاجع أن يودöعك الأصدقاء
وتبقى وحيدا
بلا سند
مثل غصن تهدده العاصفةú.
جارح أن يغادرنا في الشدائد
ضوء الكلام
وأن يرحل الشعراء إلى ربهم
وقصائدهم فوق ماءö الشفاه الحزينة
باكية راعفةú.

قد يعجبك ايضا