مشروع البردوني الحضاري والثقافي

■ عبد الرحمن مراد

 - لم يكن البردوني شاعرا عابرا في التاريخ الثقافي والأدبي اليمني بل كان ظاهرة ثقافية وأدبية ظلت عصية على النسيان لقدرتها على التمدد في الأزمنة والتعبير عنها بصدق فني وموضوعي وقد كان حضوره خلال أحداث 2011م في اليمن أكثر من حضور مجايليه ب
■ عبد الرحمن مراد –

لم يكن البردوني شاعرا عابرا في التاريخ الثقافي والأدبي اليمني بل كان ظاهرة ثقافية وأدبية ظلت عصية على النسيان لقدرتها على التمدد في الأزمنة والتعبير عنها بصدق فني وموضوعي وقد كان حضوره خلال أحداث 2011م في اليمن أكثر من حضور مجايليه بل وأكثر من حضور كل الأحياء من الأدباء والشعراء إذ المعروف أن الموت قد طوى صفحة البردوني في 30 أغسطس 1999م لكنه ظل حاضرا بقوة لا يكاد ينازعه فيها أحد سواء من خلال الاستشهاد ببعض أشعاره أو من خلال الإسقاط الرمزي لها على أحداث سياسية وطنية .
وفي ذكرى وفاته الرابعة عشرة لهذا العام 2013م تنازعته القوى السياسية اليمنية ورأت كل قوة أنه كان تعبيرا عنها فكان الاحتفاء به احتفاء استثنائيا فكان حضوره من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حتى الحكومة اليمنية في وسائل إعلامها تحدثت عنه والثابت أن وزير الثقافة في زمن وفاته ( 99م ) رفض حضور حفل التأبين وكان حينها عبد الملك منصور وكان تأبين الأقطار العربية للبردوني أكثر حضورا وتنظيما وتفاعلا لمقاطعة الحكومة اليمنية له في الداخل فكان حضوره في الأقطار العربية كالكويت وقنوات الإمارات العربية وكذا القطر السوري تعويضا للذات المبدعة اليمنية عن الغبن الذي تلقاه من حكومتها وبرغم كل ممارسات الإبعاد والإقصاء إلا أن جذوة البردوني الإبداعية ظلت مشتعلة ولم تنطفئ وظلت مشتعلة إلى أن التف كل الطيف السياسي اليمني حول نارها كما حدث في ذكراه الثالثة عشرة عام 2012م .
فعام 2012م كان عاما استثنائيا من حيث الاحتفاء بالبردوني ومن حيث الاشتغال على منجزه الإبداعي والفكري وقد أخذ أبعادا متعدده حضر السياسي فيها وغاب عنها استلهام مشروع البردوني النهضوي الحضاري والتنويري الذي ظل طوال عمره يشتغل عليه وتمثل عنده في أبعاد ثلاثة وهي المكان والإنسان والزمان تلك الأبعاد متلازمات بالغة الوشاج في جل النتاج الإبداعي الشعري أو الفكري فالقارئ مثلا لكتب البردوني النثرية قد يجد فيها تفسيرا لما أشكل عليه في شعره فالاشتغال عند البردوني ليس اشتغالا اعتباطيا أو عبثيا ولكنه مدرك وواع
… فهو يتكامل ويتعاضد لإيصال فكرته عن مشروعه الثقافي النهضوي التنويري القادر على إحداث الانتقال الحضاري فالثورة التي وهو بعد المكان الذي لا يراه حيزا جغرافيا مفرغا من الدلالات بل هو مجموعة من التفاعلات والمقاربات من حيث التأثير والتأثر والدوال النسقية وهو بتفاعله مع البعدين الآخرين قد يفرض شروطا موضوعية وأبعادا حضارية ذات نسق حضاري مغاير وقد خاض البردوني في التأكيد على أهمية هذا العنصر معارك أدبية متعددة بعد إشارته بغياب المكان عن شعر الزبيري فتعددت الردود والانتقادات وكل ذهب فيها مذهبه من القول والرأي .
والقارئ لشعر البردوني يجد حضور المكان بشكل بين وواضح إلى درجة الظاهرة وحضوره لثلاثة أبعاد دلالية وهي :
البعد المعرفي ــ أي التعريف بالمكان والتأكيد على وجوده في الخارطة الجغرافية نفيا للفناء والغياب .
البعد الإيجابي وأقصد استنطاق حادثة تاريخية أو رمزية مكانية والبناء عليها تخويفا أو تحذيرا أو استقراء .
البعد الاستغراقي : وهو يدل على الحدث التاريخي مجردا من علائقه الجغرافية .
عاش البردوني تفاصيل التموجات الحياتية واشتغل على الأبعاد الحضارية المختلفة ووضعها تحت طائلة النقد لأنها في مفهومه حالة تطهيرية ورؤية انتقالية وقيمة حضارية مثلى لذلك رأينا كيف كان اشتغاله على البعد التاريخي كاكتشاف باعتبار الزمن وعيا بحركة الفعل الذي يرتبط بالزمان الدال على هوية الإنسان الحضارية ذلك أن عالم البردوني عالم نقي مبدع يخلق عوامل التجدد لأنه غير مقيد بفكره مستهلكة معيقة لحركة المستقبل .
ما نخلص إليه هو القول أن البردوني كان فكرة متقدمة على واقعها وقد عجز واقعها عن مواكبتها أو اللحاق بها .

قد يعجبك ايضا