قبر الشاعر

■ اسماعيل بن محمد الوريث
هذا العصر الذي نعيش فيه فريد بين العصور بما توصلت اليه العلوم الحديثة من اختراعات واكتشافات تذهل العقل وتصدم الشعور.. وبالمقابل فإن كل هذا الثراء في التقدم الإنساني قد غدا وحشا كاسرا ينفلت من سيطرة الانسان لينقض عليه في صورة هذه الاسلحة المدمرة التي يقتل بها الانسان أخاه الانسان مما يؤكد مجددا أن قابيل وهابيل قصة تتكرر كل يوم فالأقوى والأغنى هو صاحب السيطرة الكاملة على الكون الارضي مستخدما السماء والكواكب والبحار والفضاءات ليتحكم في مصير الأضعف والأفقر وبالطبع فليس هناك غير طريقين لا ثالث لهما التبعية أو مقاومة التبعية أمام العالم الثالث أو ما يسمى بالبلدان المتخلفة.
والحكام العرب الصناديد في محاربة بعضهم بعضا حتى أن لعبة لكرة القدم بين فريقين من قطرين عربيين قد تستدعي حربا بينهما أو يصل الأمر الى تدبير الانقلابات أو القيام بها في العائلة المالكة الواحدة فيقصي الإبن أباه ويتخلص الأخ من أخيه هؤلاء الحكام أطوع للاستعمار المبطن والمحسن بمصطلح «النظام العالمي الجديد أو «القرية الكونية» من العبد لسيده رغم جلالة قدرهم وانتفاخهم بمفاخر أجدادهم التي لا نهاية لها.
ولأن السياسة مستنتج كريه فإن المثقف العربي يأبه بنفسه من السقوط في هذا المستنقع الموحل فإذا كان الحكام العرب أو معظمهم يسعون الى التطبيع مع العدو الصهيوني خوفا من أن تمتد يد التأديب من البيت الأبيض الأمريكي فتهدم عروشهم وتأتي بقوم غيرهم فإن المثقف العربي الملتزم بقضايا أمته العربية المسحوقة ملك غير متوج ورئيس لم يصل الى دبابة ومدفع الى قصر أحلامه وقمة إبداعه.
ويطمع هؤلاء الحكام هم وأنيابهم ومخالبهم من الساسة المتخلين عن الضمير والمبدأ إلحاق الأدباء والكتاب العرب بقافلة التطبيع المشينة ويريدون للشاعر أن يكون مهرجا ونديما وخادم بلاط وقد تقاذفت المنافي شاعرا عربيا أكبر قامة من الملوك والسلاطين بعد معاناة المنفى داخل وطنه وفي معرض رده على سؤال صحفي قال درويش رحمه الله: «أنا لا أملك مسكنا ولا قبرا بدأت ليس فقط بسبب العمر لكن بسبب الطريقة اللامبالية التي يعمل بها التاريخ أصبحت أفكر في طريقة موتي ما دمت غير قادر على السيطرة على ادارة حياتي أريد ان يعيش قبري وعظامي في وطني مادمت غير قادر على أن أعيش في وطني أتمنى أن أدفن هناك».. لقد كان موقف محمود درويش السياسي مطابقا لموقفه الثقافي فلم يطبع رغم انكساره وارتضى بوطن في حجم قبر لكنه لم يسلم الراية وحظي بقبر في وطنه:
لاغد في هذه الصحراء الا ما رأينا أمس فلأرفع معلقتي
لينكرس الزمان الدائري ويولد الوقت الجميل.

■ من كتاب الفقيد

قد يعجبك ايضا