الدكتور حمود العودي .. رجل يجيد المزج بين الفلسفة والواقع

رجاء محمد عاطف

إن الإبحار في ذاكرة الناس والاسترجاع من عمق الذكريات يكون أمتع بكثير من الإبحار في كومة الوثائق.. هذا ما تدور حوله قصة المفكر الاجتماعي والمؤرخ الدكتور/ حمود صالح العودي الذي يمتلك ذاكرة عامرة بإشراقات تنعقد دهشة من زمن الحكايات وزخما من تفاصيل رواية لم تكتب بعد وقصص لاكتها ألسنة الناس وكلها دراما تحكي مشاهدا لأهم حقبة في تاريخ اليمن المعاصرلنبحر سويا مع شخصية متجددة الروعة تجمع بين جدية الفكر وفرح الحياة وبين الحب والعطاء والتضحية والنضال والعلم الغزير والثقافة الدائمة التجدد..

> ظلت فكرة التعليم عالقة في ذهن الطفل حمود العودي من حديث والدته الصنعانية من (آل صدقة) التي توفاها الله وهو لم يتجاوز سن السادسة من عمره حيث كانت تحدثه عن صنعاء والتعليم فيها وعن أخواله وأبنائهم فيها فكانت تلك الفكرة أول شرارة لاندلاع ثورة سبقت الثورة السبتمبرية بأكثر من عشر سنوات في قرية ذي الدروب مسقط رأسه في مخلاف العود – محافظة إب لكنها كانت ثورته على الجهل ثورة لطلب العلم جعلت ذاك الطفل أكاديميا ومفكرا كبيرا تفاصيل حياته تحكي تفاصيل الوطن وهي أشبه بتاريخه بكل عنائه وبساطته وكفاحه ونضاله وبكل ما فيها من حلو الحياة ومرها ..
الدكتور حمود صالح العودي – من مواليد عام 1946م – أي سنة الطيارات كما أرخ له والده رحمه الله في المصحف الكريم بحسب الوقائع والأحداث آنذاك وهو العام الذي عاش فيه الناس مأساة قصف طيران المستعمر للضالع ومناطق من العود لأول مرة وكان ذلك على نهاية الحرب العالمية الثانية.
عاش ذاك الطفل في أسرة متوسطة الحال في الريف ولديهم من الأرض والمال في القرية ما يكفي ويعملون فيها وكان ضعيف البنية يعاني ويتعب من مشقة العمل العضلي في الأرض ولكنه اختار رعي الغنم لمدة أربع سنوات وكان والده في القرية قد كبر في السن وكان حمود الأصغر سنا من بين ستة إخوة وأربع أخوات وكان والده حريصا بأن يزوجه لأنه يعتقد أن الولد الصغير يحظى بعطف الأب ويخشى عليه من أن يحدث له شيء من الظلم من قبل الأخوة الأكبر منه سنا وحرصه على تزويجه وإعطائه (الجنبية والبندق ) كان وقتها في الثانية عشرة سنة ولا يرغب في الزواج ..
(مصائب قوم عند قوم فوائد ) كان لهذا المثل من الدلالة والفائدة لحمود وأخويه حيث استفادوا كل في مصلحته ومن هنا تبدأ رواية النجاح والنضال والكفاح الطويل التي رافقت مشوار حياة طفل في سن الثانية عشرة.. أصر والده بأن يعمل عرسا كبير لحمود تحكي عنه منطقة العود بأكملها وفرض على كلا من أخويه محمد وعبدالغني (150) ريالا فرانصي لعمل العرس .. ولعلم أخوته بعدم رغبته في الزواج وانه يرغب في الدراسة وحرصا منهم على المبلغ المفروض عليهم من قبل والدهم خيروه في أن يعطوه مبلغا من المال ويغادر خفية للدراسة في تعزأو أن يقبل بما يقوله والده فاختار أن يذهب إلى الدراسة ولكنه احتار كيف سيعمل مع والده الذي يحبه ويريد تزويجه فأخبره إخوته أن يذهب ولا يخاف من هذا الأمر فما أن ينجح ويتعلم فسيرضى عنه والده فأعطوه أربعين ريالا (فرانصي) -عملة فضية- وقام بربطها في خصره بكمر وتوجه إلى تعز ولم يصل إلا بعد ستة أيام وبعد أن جرح الكمر خصره وإلى جانب المبلغ أعطوه رسالة إلى رجل فاضل متصوف اسمه الحاج محمد المرادي في تعز وعندما وصل إليه بعد أن استدل عليه من خلال تواجده في جامع المظفر بعد أكثر من عشرة أيام من البحث أحس حمود بأنه هذا الرجل وكأن كنزا كبيرا وصل إليه وتعامل معه بمنتهى الفرح والسعادة لأنه كان صديق والده وهو من المنطقة فاعتنى به أيما اعتناء وذهب من توه في اليوم الثاني ليراجع لحمود ليدخل المدرسة.
وكما يروي لنا الدكتور حمود عن حياته يقول: جاء والدي بعد سنة من رحيلي إلى تعز يحتسب على حاكم النادرة وقتها القاضي عبدالرحمن عقيل الإرياني لدى رئيس المحكمة العليا وثم قابلته وجاء ووجد أني اكتب وأتكلم في الأدب والشعر ورضي عني وانتهى موضوع الزواج واستمريت فيما بعد في الدراسة وكنت أنا الوحيد الذي تعلم تعليما عاليا وكان أخوتي هم سبب في نجاحي ويتمنون منفعتي وأنا مدين لهم بالشكر والتقدير ومن بعد ذلك أخذت أبناءهم والبعض من أبناء القرية لكي يتعلموا وتغيرت الحياة في المنطقة وتعلم الناس حيث كانت المدارس في الماضي محدودة ولا يوجد تعليم كانت فقط المدرسة الأحمدية في تعز والعلمية في صنعاء والشمسية في ذمار ..
ومن الطريف أنه عندما ذهب حمود إلى المدرسة هو والشيخ ورغم انه صاحب وساطة يستطيع إدخاله المدرسة ولذلك أرسلوه إليه ولكن لم يوجد من حل آنذاك فالمدرسة تحتوي على 200 طالب ولا يمكن أن تكون 102 ولابد أن ينتظر إما أن يموت طالب أو يفصل أو يتخرج ويدخل بدلا عنه طالب آخر ويتم إعطاؤه فرشا وبطاني

قد يعجبك ايضا