قلبي على وطني

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - أقف أحيانا حائرا وأنا أتأمل واقعنا السياسي الذي ينهار بفعل الفوضى الأخلاقية والقيمية ووفق قاعدة الضرورات التي تبيح المحظورات.. ما يحدث يخجلنا كثيرا وذلك حي

أقف أحيانا حائرا وأنا أتأمل واقعنا السياسي الذي ينهار بفعل الفوضى الأخلاقية والقيمية ووفق قاعدة الضرورات التي تبيح المحظورات.. ما يحدث يخجلنا كثيرا وذلك حين لا نرى إلا أنفسنا كبشر وغيرنا لا قيمة لهم ولا معنى¿.. لا أظن أن الاتجاه في هذا المسار سيمهد الطريق الآمن إلى المستقبل.
الجدل الذي يحدث بين أنصار الفريقين المتصارعين في المسرح السياسي الوطني يدل على غياب العقل بل وغياب قدرته في التعامل مع مفردات الحدث إذ كل فريق لا يرى إلا ما يراه كبراؤه وسادته والذين يظلون كثيرا ولا يهدون إلى سواء السبيل.
فنحن حين نتحدث عن ثورة نتحدث بالضرورة عن بدائل أخلاقية وقيمية ومشروع حضاري نهضوي أفضل وحين تصبح أخلاقنا أكثر سوءا وسلوكياتنا أشد رعبا وتنفيرا فنحن لا نتحدث إلا عن صراع ولا نصنع إلا صراعا سيعمل على تدمير مقدرات هذا الوطن ويفتت عضده الاجتماعي ونسيجه الوطني.
وحين نتحدث عن السلم والصدور العارية لا بد أن يحضر مصطلح السلم بكل أبعاده الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والإعلامية ليكون مشروعا متكاملا يستقطب ولا ينفر ويعمر الروح باليقين لا بالشك.
أكثر من عقد من الزمان أفنيته من عمري وأنا أحلم بدولة مدنية قائمة على مبدأ الفصل بين السلطات تعيد لهذا الوطن قيمته المفقودة ومكانته المصادرة لكن معطيات التغيير تجعلني أضع كفي على صدري وأصيح قلبي على وطني.
فأنا لا أتفاءل كثيرا حين أجد واقعا مستنسخا من ماضيه وحاضره ولا يحمل مشروعا أو حين أجد قيما وأخلاقا تنهار أمام لحظة انفعالية جارحة ولا تجد في الصبر طاقة كتلك التي جسدها الرسول عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية وكانت سببا في فتح مكة بقيم السلم لا بصليل السيوف.
الذين يتحدثون عن السلم لا أظنهم يملكون تصورا ذهنيا ومعرفيا متكاملا عنه إذ أنه من السلم ضرورة أن تعرف ما عليك في ذات اللحظة التي تعرف ما هو لك وأن تقبل الآخر وتحترم خياراته كما تحب أن يقبلك ويحترم خياراتك وأن تحفظ للآخر قيمته ومعناه كما تحب أن يحفظ لك قيمتك ومعناك وليس من الدين ولا من الأخلاق النبيلة الانتقاص من قدر الآخرين والحط من قيمتهم وما يؤثر من تاريخنا الأخلاقي أن الإعلاء من شأن الخصوم مذهب أخلاقي توافق عليه عرب الجاهلية وأقره عرب الإسلام.
الأخلاق قيمة عظمى وهي موضوع الرسالات السماوية وديدنها ومادتها التي تشتغل عليها لأننا بها غيرنا وجه العالم وصنعنا تاريخا وبدونها أصحبنا هامشا في كتاب التحولات الحضارية التي تؤلفه البشرية في راهننا الحضاري وما قبل هذا الراهن بقرون.
وأعجب كثيرا من أولئك الذين يتذمرون من الكذب والزيف والتضليل ثم لا تجد فيهم إلا زيفا وإفكا وتضليلا ومن أولئك الذين يذهبون إلى القول بعدم جواز الخروج على الحاكم إلا إذا أظهر كفرا بواحا ويحرمون الانتخابات باعتبارها تخالف ما تواضع عليه المسلمون من أهل السنة والجماعة ثم وفي لحظة فارقة يظهرون في شاشات التلفاز وهم ينفون ما قالوه بالأمس ويعلنون مشاركتهم في الانتخابات لكون امتلاك الأرض- حسب تعبيرهم- تمكينا لحاكمية الله فيها وإعلاء لكلمة الله ومن أولئك الذين يشكون الظلم حتى إذا تمكنوا لم تجد عندهم عدلا وإنصافا.
ومن أولئك الذين ينشدون الحرية حتى إذا قدروا صادروا حرية الآخرين واستبدوا وكانوا هم الاستبداد والطغيان ذاته ومن أولئك الذين أشاعوا في حياتنا وأذهاننا الفوضى فالتبس المفهوم أعني مفهوم السلطة ومفهوم الديمقراطية ومفهوم القيم وحتى مفهوم الدين وعلماء الدين ومفهوم الفتوى وعلماء الفتوى ومفهوم الصدق ومفهوم الكذب ومفهوم الرمز الوطني ومفهوم الانتهازي والنازي والإقطاعي والمتسلط والمستبد والطاغية والكهنوت ومن أولئك الذين تحضر حقوقهم وتغيب حقوق الناس عندهم.
إننا ننشد نقاء ثوريا وتصوفا ثوريا وطهرا ثوريا وقيما ثورية وبهاء ثوريا وتجردا ثوريا لا يشبه الماضي أو الحاضر ولكنه يغسلهما بمطر المحبة وغيث الرحمة والتسامح والنقاء والصفاء الأخلاقي والنبل القيمي.
إننا ننشد غدا تشرق فيه شمس الحقيقة ناصعة بهية ترسل أشعتها لكل الناس دون استثناء أو قوائم سوداء أو حمراء أو بيضاء.
ننشد أفقا أوسع وفضاء أبهى وأجمل وبيئة أكثر نماء وأكثر عطاء وأكثر محبة وسلاما.
لا نريد لتلك الدماء التي سالت في ميادين التغيير أن تنبت زقوما وغلسينا بل عبقا وبخورا يضوع في أفق روحاني صوفي تغنى مواجيد الذات في وجه الوطن وتدندن إيقاعات الحضرة في حب الوطن وفناءها فيه بعيدا عن النرجسية …
نريد إيمانا بالقضية يزرع الأمل ويحمل زهرة الياسمين لا

قد يعجبك ايضا