وللأطفال حق في ثقافة عصرية تنمي مداركهم!
د.عبد الرحمن عبد الخالق
د.عبد الرحمن عبد الخالق –
< قبل أشهر قلائل وقعت في يدي صحيفة يمنية جديدة.. تشير -زورا- في صفحتها الأولى بركاكة إلى أنها تغطي أو (تöجمش) فراغ في صحافة الأطفال في اليمن فأتت لنا بفراغ وخواء يملؤه سم زعاف وهراء صحيفة تمجد أسوأ ما أبتلي به المجتمع من أمراض التخلف والتعصب والطائفية المقيتة ومواد بعيدة عن اهتمامات الطفل وحاجته قصص من التراث تستحضر أسوأ ما في الماضي. صحيفة هدفت في المقام الأول إلى تصفية حسابات سياسية وطائفية طغت على وجه حاضرنا كالطفح لتزيد الواقع بؤسا على بؤس فاختارت فئة هي بحاجة أن يؤخذ بيدها لتخطو خطوات الواثق على دروب السلامة لا أن تدفع بها إلى مهاوي الردى فئة بحاجة إلى أن تتنفس هواء نقيا غير الهواء الذي ألف البعض على استنشاقه. لقد ساروا في طريق خاطئ لا أظنهم إلا مدركين لسوء عواقبه.
< إن أي نشاط يوجه للطفل أو يقاد إليه يقتضي بدقة والتعامل معه بأمانة وضمير. علينا أن نبعد أطفالنا عن الأيدي العابثة والجاهلة الذي لا ترى فيهم إلا هدف لأيديولوجياتهم تبث من خلالهم أفكارا تغريبية تفصلهم عن واقعهم وتخلق لديهم مشاعر إحباطية مضöرة تقوده للتعاطي السلبي مع كل ما يحيط به أو تبث من خلاله أفكارا منشدة للماضي بمقروئية أيديولوجية عصبوية وتغالي في تقديس التراث فلا تميز بين غثه وسمينه لتقدمه وجبة يصعب على الطفل هضمه سواء من خلال لغة لا تتناسب -غالبا- مع القاموس اللغوي للفئة العمرية المستهدفة ومفردات تجريدية لا يستطيع الطفل استيعابها أو من حيث محمولات فكرية أو -فلنقل- مضمون غالب عليه كثير من المفاهيم المتصادمة مع قيم العصر مثل تحقير المرأة والتواكلية وتمجيد القوة على حساب الحوار والتعصب والاعتماد على القوى الخارقة والخرافة التي تعزز التفكير الخرافي لدى الأطفال ولا تمت لتنمية الخيال بصلة فتنفي بذلك سلطة العقل والمنطق.
فنجد كثيرا ممن يتباكون -متخصصون وعامة- عند الحديث عن ثقافة الطفل وأدبه عن ما طمره الزمن من حكايات الجدات أو من ألعاب الأطفال التقليدية وأغاني الطفولة وهدهداتها وهو نوع من النستولوجيا لا أكثر متناسين أن لكل عصر لغته ومعطياته متناسين أننا في عصر لم يبخل علينا فمدنا بالكثير من المدهش والعجيب النافع منه والضار كما هي طبيعة كل الأشياء كما احتفظ بكثير مما جادت لنا به الفترات والعصور الماضية فحضارة اليوم ليست مقطوعة الجذور بالماضي وبما أنتجه. والموقف -هنا- من التراث وبالذات القولي منه ومن نقله للأطفال تحت مبرر ربطه بتاريخ أمته وتراثه ليس موقفا عدميا يرفض التراث لذاته ولا هو بدعوة لرفض التراث وعدم الاهتمام به فطفل اليوم هو رجل الغد وباستطاعته التعاطي مع هذا التراث -مستقبلا- تعاطيا نقديا وإبداعيا. وعلى ذوي الشأن الالتفات إلى التراث من خلال دراسته وتدوينه وتوثيقه بالكتابة والصورة والصوت واللوحة والصورة والصوت المدمج وبالوسائط المتعددة لöتشكل مادة ثرية للقارئ الكبير وللباحثين خاصة في مجال علم الاجتماع والانثربولوجيا.
< إن التطورات الجارية في العالم على الصعيد العلمي والتكنولوجي تضعنا أمام تحديات حقيقية بها نكون أو لا نكون بعيدا عن الركون إلى أمجاد الماضي لذلك يتحتم علينا من الآن وإن متأخرا العمل على إعداد أطفالنا للمستقبل.
< ولا أظن أن في الأمر تجاوزا إن أشرت لتصور من تصورات عدة مهمة حددت ما يلزم أن يزود به الإنسان من مهارات وقدرات وخصائص تلائم عصرنا.. والتصور يتصل بنموذج الفرد المحققö لذاته لعالم النفس الأميركي إبراهام ماسلو فقد حدد ماسلو أهم خصائص الفرد المحقق لذاته في ما يلي:
ـ لديه إدراك متميز للواقع بمطالبه وتعقيده.
ـ لديه تقبل لذاته وللآخرين.
ـ يتميز بالتلقائية والانشغال بالمشكلات مقابل الانشغال بالأفراد.
ـ يحترم الخصوصية.
ـ لديه القدرة على الانفصال الإيجابي عن الغير (مفهوم الأوتونومية) يشارك ويبادر ويستقل.
ـ لديه نظرة متجددة للأمور.
ـ شديد الانشغال بالمجتمع الإنساني.
ـ قادر على تكوين العلاقات الناضجة مع غيره.
ـ يتمتع بدرجة عالية من الديمقراطية.
ـ يتمتع بدرجة عالية من الإبداع.
< ونموذج الفرد المحقق لذاته ذو صلة مباشرة بثقافة الطفل بقدر صلته بالتعليم الحديث..