عن ظاهرة التسول!
عبدالرحمن عبدالخالق
عبدالرحمن عبدالخالق –
تكاد تكون ظاهرة التسول ظاهرة عالمية حيث تعاني كثير من المجتمعات الفقيرة منها والغنية من عملية التسول وإن بدرجات متفاوتة وهي في الوقت نفسه ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان بل أن بعض المجتمعات في العصور الوسطى – حسب صلاح الدين عبدالمتعال- قد أباحت التسول كحرفة ونظام اجتماعي معترف به إذ كان يتم تسجيل الأفراد رسميا على أنهم يمارسون هذه المهنة ويتم منحهم بيتا ومعاشا وتميزهم شارات للتعرف عليهم كما شاع هذا النظام في عصر النهضة أيضا واعترفت به حكومات هذه المجتمعات كما في أسبانيا والمكسيك لعجزها عن منحهم وسيلة أخرى للبقاء.
وفي عصرنا الحاضر عد التسول من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تنظم لها الدول ومنها اليمن المؤتمرات والندوات وتكرس لها صفحات من صحفها وساعات من البرامج الإذاعية والتلفزيونية غير أنها تذهب في التعامل مع الظاهرة مذهب القاضي والجلاد فيغدو التسول/ الضحية بوضع الجاني إذ بدلا من الوقوف على الواقع الذي أفرز هذه الظاهرة وتفنيده ووضع المعالجات الحقيقية للقضاء على الاختلالات البنيوية التي جعلت من التسول بهذه الاتساع والحدة باعتبار ظاهرة التسول مؤشرا على وضع اقتصادي واجتماعي وثقافي مأزوم هو نتاج إهدار للثروة وتوزيعها توزيعا غير عادل وتعطيل لطاقات إنسانية يهدرها ضياع فرص العمل أمام الشباب حيث معدل البطالة في اليمن حتى نهاية 2010م تصل إلى ٪12 وهذا ما يفاقم من ظاهرة التسول فضلا عن بروز ظواهر أخرى خطيرة مثل انتشار الجريمة وتناول المخدرات ووقوع الشباب العاطل ضحية الوقوع في فخ الجماعات الدينية وغير الدينية المتطرفة.
والفقر ابن شرعي للبطالة والحروب فاليمن بحسب تقارير التنمية البشرية الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تقع إلى جانب السودان والصومال وموريتانيا بصف الدول ذات التنمية المنخفضة أو ما تعرف ببلدان الفئة الثالثة التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الاستثمارات الإجمالية حوالي 4 دولارات فقط بينما يزيد نصيب الفرد من الاستثمارات في بعض الدول العربية ذات الفئة الثانية (33) 31 دولارا في حين يقارب 300 دولار في الدول ذات الفئة الأولى.
إذا لا يمكن فصل ظاهرة التسول عن جذورها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو خارج السياسات الخاطئة لتي تتبعها كثير من الدول ومن ضمنها اليمن المتمثلة في ضعف العملية التنموية واستنساخ الصراعات والاقتتال الداخلي والتوزيع غير العادل للثروة.
وأبرز مظاهر التسول هي دخول الأطفال والنساء هذا الميدان الموبوء بداء الذل وإهدار الكرامة الإنسانية وما يلحق بهاتين الفئتين اللتين تعانيان من التمييز المجتمعي ما يعرضها لكثير من الانتهاكات النفسية والجسدية والجنسية.. وهو ما يستدعي وضع المعالجات العلمية الصائبة لتجنبيها هذه المنزلقات السحيقة ووضع استراتيجيات تنموية على كافة الأصعدة تحدث نقلة حقيقية في حياة المجتمع..