الأمة والنفق المظلم

د. كمال الهلباوي

د. كمال الهلباوي –
تمر الأمة العربية بل الإسلامية كلها خلال نفق مظلم من الأزمات العصيبة التي خلقها حكامها المغاوير. والعجيب في الأمر أنهم لا يستطيعون إضاءة النفق رغم وجود المصباح والوقود وأحيانا يخيل لي أنهم لا يريدون إضاءة النفق ويفضلون السير في الظلام حاليا وإذا تلاشت الارادة زادت من ضعف الأمة بل عجزها حتى لا تستطيع الحراك هكذا يريدون ولكن الشعوب لها رأي آخر وفعل آخر.
سأذكر هنا بعض الأمثلة فقط وهى من باب التذكرة وليست من باب الحصر والإحصاء. شعوب الأمة جميلة وراغبة في الخروج من المأزق. ولقد وثقت الشعوب مرة في الانقلابات العسكرية ومرة في الثورات الشعبية التي أفرزت تقدم التيارات الاسلامية حاليا وتصدرها للمشهد السياسي ولعل ذلك الأمر يشير إلى الثقة في القوة والانضباط التي تتمتع بها الجيوش عموما والتنظيمات الإسلامية كذلك ولكن القيادات العسكرية تحولت مع الزمن إلى ديكتاتوريات فاسدة وشهدت الأمة ظلما كبيرا وتخلفا عن الركب العالمي للتقدم.
أبرز الأمثلة على هذا الأمر مبارك وحافظ الأسد والقذافي. ثم وثقت الأمة في الثورات الشعبية ومنها ثورة الإنقاذ في السودان على سبيل المثال بقيادة الشيخ الترابي وأعوانه وبعض ضباط القوات المسلحة ثم شهدت انقسام السودان في عهد هذه الثورة كذلك بل انقلبت الثورة على نفسها وأودعت مفكريها ومفجريها في السجون والمعتقلات وضعفت الثورة وضعف السودان حتى قبل الانقسام. وأخشى أن تفرح الثورات الشعبية بالمواليد الجدد أي الكيانات الجديدة الذين يمكن أن ينقلبوا على الأب والأم في المستقبل وتعيش الأمة في دوامة من الصراع لا تنتهي لأن الصراع في العصر الحديث خصوصا-على عكس ما يراه بعضهم- صراع مطاطي وتقني ومتطور ومدمر ومستمر على من لا إرادة لهم أو من اعتادوا على السير في النفق المظلم ولا يريدون إضاءة المصباح رغم وفرة الزيت والوقود.
ثم قامت الثورة الشعبية الحضارية الجميلة في مصر وتنحي مبارك بعد 18 يوما من الثورة بضغط شديد من الشارع ودعم القوات المسلحة بعد فشل الإدارة بما فيها أجهزة الأمن في حماية الفساد أو استمرار النظام البائد. كان الشارع قد كره التخلف والظلم والاستبداد وانتهى الصبر وكانت نهاية الصبر جميلة عندما ثار الشارع المصري بدون قيادة ظاهرة ولكن كان هناك من يحرك الثورة باستخدام تقنيات العصر. ولو كنا نحن الذين اخترعنا تلك التقنيات كنا باعثين للثورات والحراك الشعبي في كل مكان نريده.
تخلفت قيادة التيارات الإسلامية عن الاشتراك في الثورة رسميا يومين أو أكثر وبعضهم لم يقم ولو بزيارة واحدة إلى أعظم ميدان في تاريخ مصر وبعضهم أفتى فتاوى شاذة ضد الديموقراطية والمظاهرات وضد الخروج على الحاكم مهما كان ظلمه وهذا التوجه للأسف الشديد جاء من بعض من نسبوا أنفسهم زورا وعدوانا إلى السلف الصالح من أمثال أبو مسلم الخولاني وابن تيمية والعز بن عبدالسلام أولئك وقفوا جميعا ضد الظلم والفساد والتخلف.
واليوم وبعد مرور أكثر من سنة مظلمة على الثورة الشعبية العظيمة يتعرض المجتمع المصري دولة وشعبا وحركات ومؤسسات إلى صراع خفي مستمريظهر أحيانا في صور شتى كما يظهر في استنفار القوى في غير موضعها. ولقد ظهر هذا الصراع أخيرا في مسائل كثيرة من أهمها مسألة الدستور ومسألة انتخاب الرئيس.
أما مسألة الدستور فإن المادة 60 من الإعلان الدستوري تنص على: أنه ‘يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه’.
ولقد اجتهد مجلس الشعب والشورى اجتهادا رأيته خاطئا في إختيار الهيئة التأسيسية لوضع الدستور إذ اختار المجلس هيئة تأسيسية منها 50′ من الأعضاء من مجلسي الشعب والشورى أغلبيتهم الساحقة من التيار الإسلامي وكذلك تضم الهيئة في نسبة الـ 50’الأخرى من خارج المجلسين عددا كبيرا من التيار الإسلامي. نسى الجميع أن صناعة الدساتير من أرقى الصناعات لأنها تحدد الهوية وتحفظ الحقوق وتحدد الاختصاصات حتى لا تتصارع السلطات ولا يجور بعضها على بعض.
المعايير ضرورية للجميع.
ووضع المعايير الواضحة يسهل الأمور ويسير مع العقل والمنطق ولا ينافي الشرع. وقد قامت الجماعات والهيئات والأحزاب والقيادات الفكرية وخصوصا العلمانية والليبرالية بمجموعة من الفعاليات ضد اختيار الهيئة التأسيسية التي شكل الإسلاميون فيها أغلبية واضحة كما يعترض المعترضون على هذا الاختيار لأن المادة 60 من الإعلان الدستوري مادة معيبة وليست واضحة وتحتاج إلى تفسير موضوعي محايد ولم تفوض المجلس أن يختار من داخله وترك ه

قد يعجبك ايضا