الآخر‮.. ‬صنيع السياسة

عبدالخالق النقيب

مقال 


عبدالخالق النقيب –

مقال 

‮{ ‬طوعا‮ ‬أو كرها‮ ‬جاءت مفردات‮ »‬الآخر‮« ‬ومدلولاتها تتسيد أفواه الساسة‮ ‬وتمضي‮ ‬الأقلام ووسائل الإعلام في‮ ‬الانجرار حافية خلف ترديدها حتى حظيت صناعة‮ »‬الآخر‮« ‬برواج‮ ‬غير مسبوق‮ ‬وبدأت تطفو على السطح الحاجة الملحة لشيوع منطق الآخر ومفاهيم التعاطي‮ ‬والتعايش معه كثقافة مجتمعية لخلق واسترجاع الألفة المفقودة جزءا‮ ‬وروحا‮ ‬كما لو كنا بصدد مجتمع‮ ‬يكتظ بالعنصرية ومختلط بالأديان والأجناس والأعراف المتشعبة وصار الجزء فيه‮ ‬يخشى خطر الجزء الآخر ويهدد من بقائه‮.‬
لا ضير في‮ ‬أن تتهاطل على مسامعنا مصطلحات الوفاق والتوافق والائتلاف الوطني‮ ‬وأن تستحوذ معطيات التقاسم المشترك والتقارب وما شابهه على الخطابات والتوجهات السياسية كجزئية تفرضها طبيعة المرحلة الحبلى بالمتغيرات بعيد الانتقال من المواجهات الندية والتصارع الجماهيري‮ ‬إلى مصاف الالتقاء والاندماجية ومسار المسؤولية المشتركة في‮ ‬بناء وتشييد‮ ‬غد‮ ‬مرقوب‮.‬
الضير كل الضير أن نكتشف حاجتنا إلى استيعاب الكيفية الملائمة للتعاطي‮ ‬مع بعضنا البعض‮ ‬وأن ندري‮ ‬بأنفسنا في‮ ‬حال من الشقاق والخصومة والشتات الجماهيري‮ ‬أو أن‮ ‬يتم إقحام الوزارات والهيئات وكل ما‮ ‬يتضمنه الإطار العام في‮ ‬خانة المواجهة والصراع السياسي‮ ‬والحزبي‮ ‬لتصبح هي‮ ‬الأخرى مسرحا‮ ‬لتصفية الحسابات وتصنيف الأفراد والشخوص حسب الانتماء واللون السياسي‮ ‬وتنخرها الكراهية والأحقاد وتنبثق عنها بيانات وتنديدات تصب الزيت على النار وتفسد أجواء التكامل بين الأفراد كأساس لمواصلة العطاء واستنهاض الركود المستفحل‮ ‬ولست هنا أعني‮ ‬المظاهر المطالبة بتغيير الفساد بغرض أو بآخر‮ ‬ولا التصنيف والتمييز بشكل عام‮ ‬لكأنها ظاهرة بحد ذاتها أوشكت على التفشي‮ ‬والتكون بمرور الأيام وتعاقب الأحداث‮ ‬دون استدراك لهوية ذلك الآخر ومسلماته وعواقب ما‮ ‬يشبه التوغل والإسراف الولائي‮ ‬في‮ ‬الوظائف وغيرها من التعاملات البينية‮.‬
من القواسم المشتركة التي‮ ‬يقف عليها المجتمع‮ ‬يتبدى المنطق المزعج لـ‮ »‬الآخر‮« ‬على أنه إرث سياسي‮ ‬بامتياز توالد وتأجج بتفاعلات واحتقانات أذكتها نيران الإعلام الذي‮ ‬ابتعد كثيرا‮ ‬عن المهنية وأنتج تراكمات جمة من الأحقاد والكراهية وأفرز تلوينات متباينة بين أفراد المجتمع الواحد دون أن تستثني‮ ‬الأهل والأصدقاء‮ ‬وهي‮ ‬تزيد من اتساع الهوة وتعميق التباعد وافتعال الشقاق حتى بات من الصعب معالجة مآثمها وردم فجوتها‮ ‬فـ‮ »‬الآخر‮« ‬صنيع أفكار مفخخة وحواجز واهية وهمية روج لها طويلا‮ ‬فأشيعت وتفشت وتغلغلت في‮ ‬النفوس وروجت في‮ ‬الأذهان‮ ‬فانعكست على الواقع بكل تفاصيله وصارت أشبه بوباء استنشقه الناس وأصاب المجتمع‮.‬
لمجرد التريث والمتهل والتجرد عن النزق والانفعال‮ ‬يتجلى الغمام وتتضح الرؤية ويدرك كل ذي‮ ‬عقل‮ ‬يزن الأمور ببساطة متناهية مدى التقارب والالتقاء وأبعاد الإجماع على مستقبل‮ ‬يمن جديد‮ ‬يداعبه الجميع ويتغنون به‮ ‬مع أنهم‮ ‬يتغافلون عن حاجة التخندق والاصطفاف في‮ ‬خندق التعافي‮ ‬والإعمار بفعل التلبس السياسي‮ ‬والاختلاف في‮ ‬وجهات النظر التي‮ ‬تحولت بتراكماتها المصحوبة بالتعبئة العدائية والانتقامية إلى فعل مؤسس لـ‮ »‬الآخر‮« ‬لتحصد النفوس بذرته ويجني‮ ‬المجتمع ثماره الخبيثة المتفرعة بالفرقة والتمييز الولائي‮ ‬فعلنا نتدارك الأمر قبل الفوات كي‮ ‬لا نخضع مجددا‮ ‬للتجارب‮ ‬فما‮ ‬يجري‮ ‬ليس إلا من صنع سياسة تفتقد لمقوماتها ويقف خلفها ساسويون تملكتهم لغة المصالح وفرقتهم حصص الفيد والغنائم‮.‬

قد يعجبك ايضا