أزمة سياسية أم نكبة أخلاقية ¿
د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح –
أجزم وأبصم بالأصابع العشر أن مشكلتنا في هذه البلاد وفي بقية الأقطار العربية ليست مشكلة سياسية أو اقتصادية بقدر ما هي مشكلة أخلاقية تنامت وتطورت مع انهيار القيم وانحدار مستويات السلوك الإنساني وما يتبع ذلك من تحلل صارخ عن الالتزامات المبدئية ومن خروج على كل الأخلاقيات والأعراف والقواعد القانونية وما يرافق ذلك من انتشار للفوضى واتساع دائرة المخالفات والتحدي وانصراف الدولة أو ما تبقى منها إلى المحافظة على وجودها الوهمي وترددها وربما عجزها عن مواجهة كل هذه الحالات المستشرية في الواقع الذي لا يمكن وصفه بالجديد ولا بالقديم والذي لم يعد يتجه إلى الأمام بل إلى الخلف.
فساد الأوضاع وفساد الذمم وفساد المواقف ناتج عن فساد واحد اسمه “فساد القيم” وما يتسبب عنه من استسلام لأخطر الغوايات وفي مقدمتها غواية السلطة ومشاركة المتسابقين للوصول إليها ولو عن طريق الشيطان نفسه وحين تتحلل شخصية السياسي وتذوب في دهاليز المساومة والبحث عن المظاهر الشكلية لا يبقى في ذهنه من القاموس الأخلاقي ما يوقفه عند حد أو يدعوه إلى التفكير العقلاني الجاد. ومن حسن الحظ أن الغالبية من مواطني الأمة العربية ما تزال في منأى عن هذا التلوث السلطوي اللاأخلاقي. وما تزال هذه الغالبية محتفظة بقدر كبير من النقاء ولم يؤثر فيها التهميش والاستبعاد وهي حين تصغي إلى الجميع وهم يتحدثون باسمها ويدعون أنهم يمثلونها ويسعون إلى تحقيق أحلامها لا تخفي سخريتها أو التعبير عن امتعاضها.
لقد بدأت مرحلة انحسار القيم في الوسط السياسي المزدحم بالمتناقضات منذ فترة ليست بالقصيرة ونحن بهذه الإشارات لا ندين أفرادا بعينهم ولا نرغب الدخول في قائمة الوعاظ فقد انتهى زمن الوعظ وما هي إلا محاولة صادقة لتوصيف ما يحدث وما تعاني منه النخب السياسية في بلادنا وفي غيرها من أقطارنا العربية حيث بدأ اللهاث المحموم نحو الإمساك بتلابيب السلطة والتنكر للمبادئ والقيم التي كانت حافزا رئيسا لمواجهة التسلط وإدانة التنافس المقيت الذي بليت به بعض القوى الحزبية التي عانى الشعب منها قدر ما عاناه من الطغاة التقليديين الذين كانوا لا يخفون شيئا من نواياهم الشريرة أو يتجملون باستخدام ألفاظ مثل الحرية والديمقراطية وما شابهما من عبارات تنويم المشاعر والتباكي على أوضاع الحفاة العراة. ولعل أسوأ ما منيت به ثورات الربيع العربي أنها أفرزت بعض النماذج في الحكم لا تكاد تختلف عن النماذج السابقة إلا في الأسماء والأشكال وتلك مصيبة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
ولكمú أدهشني ما أسمعه وأقرأه لعدد من المثقفين والمفكرين العرب الكبار الذين تربطني بهم صلة دائمة وقولهم إن هدفنا -من الآن- ينبغي أن يتمحور حول حماية ما تبقى في وجدان الأمة من قيم التعايش وأخلاقيات إنسان ما قبل العصر الحديث حين كان الوفاء قيمة روحية وكانت محبة الوطن سلوكا يتجلى في محبة كل أبنائه بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم محبة تسمو على الانتماء العائلي والطائفي والمناطقي وترتفع فوق المصالح الآنية ويصح القول بأن التغيير لم يعد هدفا للفكر العربي الحديث ولا الثورات مطلبا الوحدة الوطنية والعدالة والمساواة بين أبناء القطر العربي الواحد هي آخر أحلام الإنسان في هذه المنطقة وخلاصة ما خرج به الفكر العربي في مرحلته الراهنة بعد مجموعة من التجارب والخيبات.
الأستاذ علي صالح الجمرة في حكايته مع الزمان والمكان:
الكتاب سيرة ذاتية لا تحكي حياة مؤلفها الصديق الأستاذ علي صالح الجمرة فحسب بل تتناول جوانب كثيرة من حياة اليمن واليمنيين في الخمسين عاما الماضية والعنوان الكامل للكتاب هو (حكايتي مع الزمان والمكان سيرة ذاتية) ويتمحور الجانب الأكثر من هذه السيرة على التطور الذي لحق حقل الإعلام والمؤسسات التي شملته إلى أن أصبح على ما هو عليه وقد كان الأستاذ علي واحدا من المساهمين البارزين في هذا الحقل حيث تنقل في أكثر من مرفق من مرافقه العديدة. يقع الكتاب في 296 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
السلطة ليست فاجرةú
في كل الأحوال
وليست طاهرة في كل الأحوال
هي أفضل حالا حين تكون
مسيجة بالأخلاق
اللا أخلاقيون انتصروا…
نزعوا الضوء عن الشمس
وباعوا الوطن الطاهر
للص الخائن والآفاق.