عقول مظلمة
عفاف صلاح
عفاف صلاح –
فرحت كثير لأنهم اختاروني مرشدهم في الرحلة أعددنا برنامجا حافلا لزيارة بعض المواقع السياحية الجميلة استقلينا أحد الباصات التي توجهت بنا مباشرة إلى أول موقع خططنا لزيارته كانت ضحكاتنا عالية وأحاديثنا غير مقطوعة سعادة ليس لها مثيل … فجأة يتوقف الباص عند نقطة تفتيش في غير مكانها لاح أمامنا منظر أشباح إنسانية مدججة بالسلاح .. يتوجه نحونا عدد من تلك الأشباح التي بدأت تصوب فوهات بنادقها باتجاهنا . بدا أحدهم بتوجيه سلاحه الأسود إلى رأس سائق الباص وأمره بالسير في طريق جانبي غير معبد توجهنا معهم إلى المجهول … كانت نظرات تلك الأشباح إلينا تحمل ألف معنى ومعنى وصلنا بعد مسير أمتد لساعات إلى منطقة نائية مهجورة يعتليها جبل ليس فيه إلا أحجاره السوداء القاسية وبعض الأشجار المتشابكة . وضعونا جميعا في إحدى مغارات الجبل بعد أن قاموا بتفتيشنا تفتيشا دقيقا أخذوا منا كل أغراضنا الخاصة بما فيها هواتفنا النقالة التي كانت أكثر ما يعنيهم … ساعات تمر ببطء بدأ بعدها أحد تلك الأشباح بإجراء بعض الاتصالات مع جهات متعددة أستمرت إلى ساعة متأخرة من الليل أدركنا من مجمل حديثه أننا أصبحنا رهائن تحولت سعادتنا إلى شقاء وحزن وضحكاتنا إلى دموع ورعب ..
في صبيحة اليوم التالي فوجئت بأثنين منهم يتجهون نحوي مصوبين بنادقهم الرشاشة صوب رأسي مباشرة بدأ أحدهم بمحاولة سحبي عنوة خارج المغارة قائلا بلكنة غير مألوفة :
– أنهض قبل أن أفرغ ما بداخل هذه البندقية في رأسك .
لأنني لا أريد الابتعاد عن رفاقي حاولت المقاومة قائلا :
– ماذا تريدون منا ¿
– لم يجب على سؤالي وإنما بدأ بضربي بمؤخرة بندقيته ضربا موجعا .. أخيرا أستسلمت لأوامرهم .. توجهوا بي مباشرة إلى ذلك الشبح الذي كان يجرى الاتصالات ليلة الامس ها هو بملامحه القاسية جالس بجانب أحد الصخور الضخمة المتجهمة كجبهته العريضة التي لم تفلح عدستي المنظار من احتوائها . لحظات تمر في ترقب وصمت يأتي بعدها أحد الأشباح حاملا مذياعا طالبا منه الاستماع إلى نشرة الأخبار . تتهلل أساريره عندما يسمع أن البلاد قد أنقلبت رأسا على عقب بعد تناقل وسائل الإعلام أبناء اختطاف أحد الباصات المحملة بعدد من التلاميذ ومرشدهم تزداد بسمته اتساعا عندما سمع تصريحا من أحد المسئولين أن الحكومة تستجيب لطلبات الخاطفين .
ساعات قليلة تمضي علينا كأعوام بدأت تتراءى بعدها عربات الشرطة المصفحة أقترب عدد منها كثيرا من الجبل سمعنا بوضوح صوت أحد رجال الشرطة يقول :
– نحن مستعدون لأي شيء شرط إلا تمسوهم بسوء .
أدركت مغزى وقوفي بجانب ذلك الشبح حينما جعلني حلقة الوصل بينه وبينهم ساعة أخرى مضت استطاعت الشرطة فيها تأمين كل ما طلبوه منها . لحظات قليلة أنقضت بعد التسليم بدأت بعدها تلك الأشباح الاستعداد لمغادرة المكان وأخذنا معهم لاحظت الشرطة تحركاتهم فبدأت بالتوجه نحو الجبل فجأة يطلق أحد الأشباح رصاصات متعددة صوب تلك العربات بدأ على إثرها تبادل إطلاق النار بين الجانبين لحظات وكان محاصرا بعربات الشرطة من مختلف الاتجاهات رأيت بعيني بعض الأشباح تسقط مضرجة بدمائها .. استغليت فرصة انشغالهم بالفرار والرد على رصاص الشرطة فهرعت كالمجنون لأرى رفاقي الصغار ماذا حل بهم . وقفت مندهشا عندما رأيت أثنين منهم غارقين في دمائهما .. تمنيت لو كنت أحدهما لأنني المسئول عنهما ولا ينبغي لي العودة بدونهما … أشتد حصار الشرطة للمجرمين فاشتد إطلاق الرصاص … رأيت أحد رفاقي يصاب بإحداها بعد أن حاول أحد الأشباح أن يختفى خلفه وإطلاق الرصاص عدوت مسرعا نحوه علي أتمكن من إيقاف نزيف جرحه أوقف أندفاعي نحوه ارتطام جسدي بعدد من الرصاصات التي أطلقها ذلك الشبح صوبي متعمدا .. بدأ الضوء يخفت أمام عيني .. بدأ الأرض تضيق وتتحول إلى اللون الأسود .. بدأت الأسئلة تتردد في أعماقي كالصدى المتكرر في عوارض الجبل مع تردد طلقات الرصاص التي لازلت أسمع دويها .. : لماذا كل هذه الدماء .. ¿ من أجل أي شيء حدث لنا هذا .. ¿ هل لذنب ارتكبناه أنا ورفاقي ليكـ .. ليكــ .. ــون هــ .. هذا مصـــ مصيرنا ¿ !!!! .