خواطر ناقصة عن البحر وأشواقه وذات سمراء منسية..إنها جمöيúلة تشúرöق فöي الظلام

جميل مفرöح

جميل مفرöح –

أنثى تعيش سباتا طويلا غير أن ما يحمد لها أو يشكöل عزاء وباعث أمل أنها أنثى لا تهرم ولا تدركها العنوسة واليأس.. أنثى يظل قصادها على صلة العشق بها بل ويتزايدون من حين لآخر ويتزايد عشقهم وولههم تجاهها.. وذلك لأنها ليست بالأنثى الجسدö المجرد فتبلى ويدرك عواطفها الخمول وقلبها البلى والقنوط كما أنها ليست بالمكانö الجامدö المجرد أيضا فتنال منها عقارب الوقتö جرحا وطعنا أو يرقى إلى هامتöها تراب التلاشي والزوال.. ولكن ذلك لا يعني أنها بعيدة أو منزهة من وخزاتö الإهمالö والتهميشö وعسيرة على غبارö اللامبالاة وعدم التقديرö.. وتلك هي الدائرة التي تسور بها هذه المدينة الممعنة في الهدوء المغرقة في الجمال..

تزورها فتشعر أن بحرها يخبئ في صدرöهö مجوهراتöها العتيقة الثمينة لزمنö فاقة أو حاجة.. وتتلمس صدور أبنائها فتجد من مساحات الاحتواءö والمحبةö والاطمئنان ما لا تجده عند سواهم من أبناءö اليمنö مساحات مفتوحة ليست بأقلö من مساحاتö أرضöها المتراميةö حتى أقاصي الوجعö وأطرافö الحزنö وملكياتö الغيرö الذين توافدوا يشترونها هكتارات بما لا يساوي قليلا مما تقله من ذرات الرملö والطöينö أو ما يكتنز به جوفها من محبة لا أطراف لها وخيرات لا يمكن تصور حصرöها وتعداد أشكالöها وأصنافها.. في ذلك الصدرö كل ما يمكنك أن تتصوره من المعاني الإنسانيةö النبيلةö والسöماتö الوجوديةö التي ترفع قدرها وشأنها بساطة مطلقة ونباهة نادرة القياس والجوهر وكأنها فطرت وأهلها على كل ذلك القدر من المثالية التي لا تكاد تقارن بأيö حال من الأحوال.. مدينة حسبك منها أنها إذا لم تستطع أن تحقنك بحبها فهي تلقنك الحب في أنزه وأصدق صورöهö وأرقى مراتبه..
ترحاب مطلق
ليس سواها.. إنها الجميلة السمراء- مدينة الحديدة.. يقابلك ترحابها مفروشا كالأزاهير على وجوه أبنائها السمر فتتيقن عندها من صدقية ما روي ويروى عن رقة ولين قلوب وأفئدة اليمانيين.. تدرك حقا وبما لا يدع مجالا للشك والتردد أن اليمانيين أولي القلوب الأرق والأفئدة الألين موجودون وأنهم هناك في تلك المساحة من الحياة نعم إنهم هم من يحيلون الرمضاء والقيظ في ذلك الحيز من الوجود إلى جنة طولها المودة وعرضها الألفة والترحاب.. إنها حقا الحاضرة التي تستطيع أن ترقى بعواطفك ومشاعرك إلى مراتب الوله والانشداه بدماثة شخصيتها وأصالة وجود أهلها الذين على كلö من أراد أن يمعن في الحب أن يتعلم على أيديهم وأخلاقهم.. حاضرة عصرية غير أن العصر ينتظر منا أن ندلف بها إلى قلبه ليقابلها كما تقابلنا بترحاب مطلق وعواطف متناهية.. مدينة أبرز ما تعرف وتشتهر به هي وأهلها بساطة ظاهر يكمن وراءها ما لا يحد ولا يدرك من العظمة والبهاء والقيم الرفيعة التي تشق عنان الإدراك دونما منافس أو سبب للتوقف في الوصف أو التردد عن الإنصاف..
رجل البحر
“أنا رجل البحر” كانت هذه العبارة مفتاحا أدار رغبتي في التسكع في قلبها الفسيح ثم بعدها أدار محرöك سيارتي فجأة لأعتزم ذات ظهيرة قريبة الانطلاق مع ريحö محبتها والاشتياق إلى بحرöها الذي لم يكن منه تقصير أو خذلان.. كان في انتظاري وانتظارö أصغر أبنائي “عماد ذي الثلاث السنوات والنصف” والذي لا يغيب عن لسانöهö التباهي بوصفö نفسöهö بـ”رجل البحر” والذي لا يمر يوم لا يحدöثني فيه عن البحرö واشتياقاتöهö المتكدöسة للبحرö والموجö والقواربö والأسماكö.. كل هذه الكلمات يحفظها عن ظهر قلب.. على الرغم من أنه لم يرى البحر إلا في خيالاتöهö الطفوليةö المحدودة.. لم يذقú من ملحöهö ليشتاق العودة إليه ولم يغنö على شواطئöهö يوما أغاني البحارة ويردöد قصائد العشاق والاشتياقö ونصوص الوصفö والمناجاةö كما تعود أن يفعل ويشتاق والده.. ولم يجلسú إليهö ذات مساء يناجيهö ويتبادل معه صنوف الشكاوى ويناظره شعرا ونثرا عشقا وولها كما يفعل والده ذلك أيضا.. وعلى الرغم من ذلك كان البحر في انتظارö “عماد” بلهفة لا نظير لها.. وكان “عماد” طوال طريقö السفرö إلى صديقöهö الجديدö وصديقي القديم البحر لا يمل من السؤالö كل دقيقة عن كم تبقى من الوقتö والمسافةö إلى صديقöنا المشترك السيد البحر.. إلى أن حانت لحظة اللقاءö والدهشةö ويا لها من لحظة!! فلم أدرك أيهما كان أكثر اشتياقا للآخر.. كان الرجل الصغير يبدو وكأنه ولöد في أعماقö البحرö حين فاحت من اندماجهما ألفة غريبة وانسجام

قد يعجبك ايضا