الصوفية بريئة من الافتراءات
عدنان الجنيد
عدنان الجنيد –
قبل الرد على مقال لأحد الكتاب في صحيفة الثورة عدد[17754] بتاريخ 29 يونيو 2013م بعنوان” الأهداف الخفية للفرق الصوفية والذي من خلاله هاجم الصوفية دون علم ودراية بل من خلال ما سمعه من خصومهم فتعصب دون دليل فكان لابد لي -أولا- أن أبين ماهية التصوف ثم بعد ذلك أرد عليه فأقول:
التصوف هو صدق الأقوال وإخلاص الأعمال وإصلاح الأحوال وعدم الغفلة عن الكبير المتعال وهو- أيضا- حفظ شرائع الدين وحسن الخلق مع الخلق أجمعين والرضا بقضاء الله رب العالمين وإن شئت قلت هو خلق وصفاء وكرم ووفاء ومتابعة المصطفى ومخالفة أهل الطمع والجفا.
والصوفي: أرق من الماء وأعلى من السماء وأخف من الهواء وألطف من الصبا وأحلى من الجنى وأصفى من الجوهر وأذكى من العنبر وأعذب من الكوثر وألين من العبقر إذا خاطب الآن وإذا خوطب أبان وإذا استعين أعان وإذا قيل له اتق الله دان ينصف من نفسه ولا ينتصف لها ويفتخر بربه ولا يفتخر بها عزمه أحد من السيف وهمته أسرع من الطيف وجنانه أخصب من الصيف وأحكامه مجانبة الحيف يألف ويؤلف يعرف ويعرöف ويعطف ولا يستعطف مثله كالبحر ظاهره يحمل الركبان وباطنه الدر والمرجان يأكل من سمكه الآكل ويتطهر بمائه الغاسل يقرب لراكبه المسافة ويأمن فيه من المخافة .
فهذا هو الصوفي الكامل كريم الخلق والشمائل عالم بالله عامل سخي النفس والأنامل مسرع إلى الفضائل بطيء عن المجاهل محل لأوامر الله قابل منبه على الخير نبيه معدوم الشكل والشبيه معرض عن كل سفيه تارك لكل كريه صمته فكر ونطقه ذكر وعلمه شكر وحركته أجر ومجاعته صبر….إن قال صدق وإن قيل له توثق وإن عزم على أمر تحقق.
وهو- أيضا- خفيف الظل شفاف ليس بخداع ولا لفاف يهزه النسيم ولا تحركه زلزلة الجبل العظيم الصوفي كالنخلة ترميها بالحجر فترميك بالرطب وهو كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح الصوفي هو من تخلق بأخلاق سيد البشر وصفا قلبه من الهم والكدر والسخط والضجر واستوى عنده الذهب والمدر… الصوفي يسعى لخدمة الإنسانية ويكره لهم التخلق بالصفات الحيوانية ويحب الخير لأهل جميع الديانات السماوية وباختصار فإن الصوفية هم الذين ذكرهم الإمام علي- عليه السلام- في نهج البلاغة في صفات المتقين..
فالتصوف موجود في كل ديانة لأنه الإقبال على الله تعالى وهو موجود عند الفلاسفة لأنه البحث والنظر والاستدلال وهو موجود عند البوذية لأنه مجاهدة النفس والرقي بالروح من خلال الرياضات الروحية وهو المنهج العالمي الذي يسعى إلى الرقي بالإنسانية وإخراجها عن صفة الحيوانية .
فالصوفية تميزوا عن غيرهم بالمعرفة بالله فهم بعد أن أقاموا العبادات الظاهرة الشرعية عمدوا إلى إتقان عبادة الباطن فقاموا بتصفية قلوبهم من الأمراض المعنوية وفطموا نفوسهم من الرغبات الشهوانية وهذبوا عقولهم من الخطرات الوهمية وأخلصوا أعمالهم لله حتى تحققوا بحقيقة العبدانية فنطقوا بالعلوم وامتازوا بالفهوم جاء في الحديث: ( من عمل بما علم أورثه الله علم مالم يعلم ) وجاء في الحديث: ” من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمه من قلبه وجرت على لسانه ) ومن يقرأ كتبهم يعرف ذلك ويدرك ما هنالك وكل من سار على نهجهم يعد صوفيا حتى وإن لم يتسم بهذا الاسم فالله تعالى ذكر في القرآن طوائف الخير والصلاح فسمى قوما أبرارا وآخرين مقربين ومنهم الصابرون والصادقون والذاكرون والمحبون واسم الصوفية مشتمل على جميع المتفرق في هذه الاسماء المذكورة وهذا الاسم- الصوفي- لم يكن في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم لكن قيل – كما في بعض الكتب الصوفية مثل كتاب عوارف المعارف: كان في زمن التابعين ثم أتوا بأدلة منها أنه نقل عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال: رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال: معي أربع دوانيق يكفيني ما معي… وبسند هذا ما روى عن سفيان أنه قال:( لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء) .
نفهم من هذا أن التسمية- الصوفية- ظهرت بعد عهد النبوة وذلك أن الناس بعد انقراض عهد النبوة وعهد الخلفاء الأربعة هرعوا إلى الدنيا واغتروا بزخرفها فتزعزعت أبنية المتقين واضطربت عزائم الزاهدين وكثرت الجهالات واستبيحت الحرمات وأصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا والتاريخ شاهد على ما حدث في عهد بني أمية وبني العباس.
فلما ظهر الفساد بكل أشكاله تفردت طائفة من الناس بأعمال صالحة فزهدوا في الدنيا ومحبتها واغتنموا الوحدة واتخذوا لنفوسهم زوايا