التشريع في الدولة.. الجمع بين الوضعي والديني

عبدالله دوبلة

 - 
الأمر الأهم في التشريع أو التقنين لمجتمع أو دولة ما هو سيادته ونفاذه على الجميع دون استثناء سواء كان هذا التشريع ديني أو وضعي فبنفاذ القانون وسيادته ومساواة الناس أمامه
عبدالله دوبلة –

الأمر الأهم في التشريع أو التقنين لمجتمع أو دولة ما هو سيادته ونفاذه على الجميع دون استثناء سواء كان هذا التشريع ديني أو وضعي فبنفاذ القانون وسيادته ومساواة الناس أمامه لا نوعه تستقر الأمم وتتطور.
بل أن الحديث النبوي الشريف عن هلاك الأمم التي كانت قبلنا كان يشير لنفاذ القانون لا نوع العقوبة بالحديث عن معاقبة السارق الضعيف وترك معاقبة السارق القوي. وهي ذات الفكرة التي يقوم عليها تصور العالم الآن للقانون وسيادته.
لكن لما يعتقد البعض أن بعض الأحكام والحدود لبعض الجرائم هي الشريعة ويتحمس لها فيما لا يجد أن فكرة نفاذ القانون على الجميع هي جوهر الشريعة حيث لا تجده يهتم أو يتحرك للخلل الفاضح في تنفيذ القانون بين الأقوياء والضعفاء.
غير أن السؤال الأهم الآن وهو ذاته من كان و لا يزال يتكرر منذ أكثر من مئة عام هو هل ثمة خلاف حقيقي بين التشريع الديني والتشريع الوضعي¿. الجواب هو نعم ولا في آن!.
فمن الناحية الشكلية يمكن القول أن الأمر مختلف فعلا حيث التشريع الديني مصدره الإله فيما التشريع الوضعي مصدره البشر. إلا أن الفكرة فكرة التشريع تصدر من رأي فلسفي واحد هو تنظيم ما هو أخلاقي و ما هو قانوني في مجتمع أو دولة ما.
حيث لكل مجتمع تصوره عن فكرتي الإثم “الأخلاق” والجرم “القانون” سواء كان هذا المجتمع يقوم على فكرة دينية أو لا ليس من فارق إلا بين ما يعده هذا المجتمع جرما ولا يعده الآخر إلا أن الفكرة في محورها ترتكز على مبدأي الجريمة والعقاب. التي لم يخلو منها أي مجتمع منذ الأزل.
فما نعدها آثاما وخطايا محلها الأخلاق سواء كانت أخلاقا ترتكز على دين أو لا أما الجرائم فلها العقوبات القانونية من خلال عملية قضائية تشترك فكرتي التشريع الإلهي والتقنين الوضعي في الحاجة لهذه العملية القضائية والعقاب سواء كان الغرض الفلسفي منها هو ” الجزاء على الفعل أو الحد من الجريمة” ليكون نوع الجريمة و العقاب المحدد لها خلافا هامشيا لا جوهريا بين الفكرتين.
لكن هل يمكن الجمع بين الفكرتين ” التشريع الإلهي والتقنين الوضعي” في نظام ما أم أن كل منهما يتطلب إقصاء الآخر¿! الجواب من وجهة نظري أنه يمكن ذلك وهذا ما أحاول شرحه في هذا المقال.
إلا أن هذا يتطلب ابتداء الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن الفكرة التشريعية الوضعية الراهنة في الغرب كمحل للفكرة وتطورها لم يحدث أن جمعت بين الأمرين وقد حسمت المسألة بشكل قطعي لإبعاد الكنيسة عن التشريع بعد أن كانت قد احتكرته لزمن إلا أن ذلك لم يمنع تأثر التشريع الوضعي بتشريعات دينية مسيحية تركت أثرها كتحريم الزواج من اثنتين في بعض القوانين الغربية حيث هي فكرة كاثوليكية في الأصل.
إلا أن عدم حدوث المسألة “الجمع بين الفكرتين” في التجربة الغربية لا يعني أنها لا يمكن أن تحدث في مجتمع آخر تجربته هو الآخر مع الدين وفكرته عنه مختلفة تماما عن أوروبا الكنيسة في القرون الوسطى.
لن أطيل في التمهيد دعونا الآن أن نحدد مفهوم الشريعة في الإسلام حيث هي تشير إلى مسألتين لا مسألة واحدة الأولى هي الدين عموم الدين من مقاصد ومبادئ عامة وهي مسألة واسعة جدا إلا أن في جوهرها التوحيد والعدل والخير والحق.. كمفاهيم مجردة والثانية هي الحدود كعقوبات لجرائم معينة وهذه المسألة يمكن حصرها فيما لا يتجاوز ربما عشر مسائل قطعية كالزنا والقتل والسرقة وشرب الخمر مع اختلافات طفيفة في نوع العقوبات في بعض المذاهب وفي مسألة أخرى تتعلق بالعقيدة لم تحسم كجريمة وهي مسألة الردة.
إلا أن الفرق بين مفهومي الشريعة الأول والثاني فرق مهم وجوهري ومن المهم جدا التنبه له عند الحديث عن التشريع فالشريعة في المفهوم الأول مقاصد ومبادئ عامة عن الحق والعدل والخير والسعي لتحققهم هي مهمة مجتمعية وعامة يشترك فيها كل الناس على اختلاف تصوراتهم لذلك الحق والعدل أو الخير ولا يحق لأحدهم الإدعاء أنه صاحب التصور الحق وغيره لا إلا أن يتوافق الناس على مبادئ عامة وآليات لتنظيم حياتهم وتصوراتهم وخلافاتهم وقوننتها كفكرتي الدستور والديمقراطية كآليتين لتنظيم مسألة الحكم والسياسة. كما يمكن الانطلاق من هذه المبادئ أيضا للتشريع والتقنين من خلال مجالس نيابية مختلفة لتنظيم مصالح أو تحديد جرائم قانونية لم يستوعبها النص الديني القطعي نتيجة التطور البشري والزمني وتكون قابلة للتعديل والإضافة ضمن تطور العملية التشريعية النيابية ذاتها.
فيما المفهوم الثاني للشريعة كحدود وعقوبات لجرائم معينة (الجريمة ونوع العقاب)كنصوص قطعية ومحد

قد يعجبك ايضا