خيبة أمل وطنية
جمال حسن
جمال حسن –
قبل أيام قام الحوثيون بدفن مؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي وحشدوا عشرات الآلاف لإعلانهم كقوة لا يستهان بها.
غير أن الاحتفال بصرف النظر عن حجم الحضور والنوع السياسي المتواجد أثار خيبة أمل على عدة مستويات لم يقدم الحوثيون أنفسهم كجسد خارج اليمن فقط بل استهتروا بالهوية الوطنية عندما أصروا على تجاهل رفع العلم اليمني.
الخيبة الأخرى هو ظهور نخب سياسية شكل وجودهم مباركة لهذا الانسلاخ عن الجسد اليمني. كان هناك مظهر معلن لنشوء دولة داخل الدولة. ظهور ميليشيات بملابس خضراء يذكرنا بالبشرمكة المقاتلين الأكراد. بينما وضع سياسيون أنفسهم كمباركين لهذا التشكل عازفين خارج الخطاب الوطني الذي مازالوا يصرون حتى اليوم على أنهم الحامل الوحيد له.
هل كان الحدث تدشين لتقسيم اليمن دويلات¿ البعض مبهور بالتجمع الكبير للحشود والبعض يبالغ بالأعداد لتصل إلى سقف يفوق المليون. مع أنه في تاريخ اليمن لم يسبق أن احتشد مليون شخص مهما كانت الصور كبيرة. ما يحدث في اليمن فعل الثورات والمباهاة بالأعداد صرنا نستخف بالمليون.
صورة الحدث لم تكن فقط إخفاق للمشروع الوطني بل واجهة معلنة للتفسخ الذي حل ببنية الوعي اليمني لنقل على مستوى نخبه. فالمجاميع التي ارتحلت لمباركة الحوثي هذا الإنجاز إعادة رفاة زعيمها لم تبارك وجودهم كإطار سياسي إنما كميليشيا مقاتلة وشكل طائفي يراهن على اضمحلال الهوية الوطنية. ما يؤكد ذلك إصرار الحوثي في كل مناسباته على إلغاء العلم اليمني. في لبنان يراعي حزب الله اللياقة حين يحرص على رفع العلم اللبناني إلى جانب علمه الأصفر المنقوش بشعارات دينية. هناك حالة استهتار باليمني ككيان أو كوطن. لن أتحدث عن الشعب بما أنها مفردة هلامية. لكن هذا امتداد مباشر لثقافة نخبوية نكلت بكل ما له علاقة بالوطنية. نخب تتفاخر بتصدرها قوائم تسلم المال من دول خارجية. اليمني ينظر بإعجاب لحصول الحوثي على أموال من الخارج. حذاقة اليمني تجعل منه متبطل ينتظر الحصول على مال.
يشكل الحوثي حالة من صورة التفسخ اليمني. تفسخ حل بكل مكونات الخطاب الوطني. لم يعد اليمني أكثر من آلة منتفخة للانفعال آلة هائج تمارس الاحتقان بأبشع صورها. حين يمارس السياسي اليساري والذي يدعي علمانيته يذهب ليتمسح بركبة الإمام غير أن الصورة المثيرة للشفقة في ذلك هي محاولته تبرير ارتزاقه الرخيص. أو حين يعلن البعض أن أنصار الله هم مشروع وطني. لنتساءل كيف يمكن لمشروع وطني أن يكون صورة معلنة للانسلاخ عن هوية يمنية. الحوثي أعلن رغبته الأبدية لسلخ اليمني عن مضمونه. ورغم خطابه الساذج وكل مقومات الانحلال التي يغذيها العنف الطائفي والتفسخ الوطني فإنه يعثر على أرضية صلبة لازدهار خطابه.
في اليمن يزدهر الماضي بكل قسوته ورعونته. وما الحوثي إلا صورة للعبة صراع هائل لصراع أكبر يعم المنطقة. لعبة طائفية واسعة ستخرب كل المنطقة. لعبة الاسلام السياسي بكل إخفاقاته ليس فقط بالوجه السني بل أيضا الشيعي.
لكن انحصار الواقع تحت تلك الثنائية الطائفية التي يمثلها الاسلام السياسي بوجهيه هو اعلان لانحطاط نمر به. ربما لانحطاط لم يسبق أن مرينا به. اللعبة الطائفية يتم تغذيتها والمجتمع العربي ينساق كقطيع اليها. الكارثة أنها بمباركة أدعياء حداثة لا يجرأون على الاعتراف بأنهم بقايا محطمة لمرحلة منتشية من النزوع للتحرر..