العمران في الحواضر اليمنية

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - ٭ .. عرفت اليمن الظاهرة العمرانية من وقت مبكر ومن يلحظ أن الذاكرة الشعبية تختزن في دهاليزها الكثير من المعارف الهندسية وكذلك الكثير من التشريعات العرفية ولكن عبر الحقب والأزمنة المتعاقبة. وظلت هي الأكثر حضورا في التفاعل الاجتماعي اليومي إلى زمن قريب ربما يعود إلى عقد التسعينات من القرن الماضي
عبدالرحمن مراد –

مقالة

٭ .. عرفت اليمن الظاهرة العمرانية من وقت مبكر ومن يلحظ أن الذاكرة الشعبية تختزن في دهاليزها الكثير من المعارف الهندسية وكذلك الكثير من التشريعات العرفية ولكن عبر الحقب والأزمنة المتعاقبة. وظلت هي الأكثر حضورا في التفاعل الاجتماعي اليومي إلى زمن قريب ربما يعود إلى عقد التسعينات من القرن الماضي ولا نستطيع القول بغيابها الكلي إذ ما تزال ذات حضور تفاعلي في ريف اليمن وبعض مدره حضره من المدن الثانوية فالتشريع العرفي يحضر البناء في الأرض الزراعية ويحد من التوسع الأفقي فيها ولذلك حين نتأمل العمران القديم نجده يتمركز في الأماكن الصخرية أو الأرض البور غير القابلة للإنتاج الزراعي ويبدو أن هذه المعارف التي توازن بين البعد الحضاري والبعد الاقتصادي وتنظر إلى المستقبل بين الاستحقاق لأجياله في أسباب ومنافع الحياة قد أصبحت طللها في الذاكرة الاجتماعية المستلبة التي وقعت تحت تأثير الخطاب السياسي والإعلامي الذي تعمق وبحذر من الشعور بالاغتراب للذات الحضارية اليمنية ويفقدها قيمتها الحضارية والمعرفية من خلال القفز على حقائقها الاجتماعية وهي حقائق كان بالإمكان تشذيبها وتنميتها وتحديثها والاشتغال على تكديسها والاعتزاز بها حالة من حالات القهر والشعور بفقدان القيمة أو الإيحاء بمثل هذا الشعور للذات الحضارية اليمنية فالثورة التي تزايد الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن بها لا يمكنها أن تكون هدما ودورا نافي فراغ خارج دوائر التراكم المعرفي والسياق الحضاري لأنها بدور انها ذلك التي تدعيه باسم التقدم تعمل على تجذير الاغتراب في الذات والاغتراب بطبيعته شعور عدمي هلامي يشبه حالات التيه التي أصابت الأمم السابقة وقد عبر الأدب عن مثل ذلك الشعور في جل النصوص الإبداعية التي واكبت المسيرة الثورية اليمنية نحن نقرأ ذلك في نتاج عقد السبعينات عند البردوني مثلا وعند القاص والروائي محمد عبدالولي وقد كانت تلك النصوص تعبيرا صادقا عن حالات الاغتراب للذات عن سياقها الحضاري والثقافي وتعبيرا عن صدمة حضارية لا تمتد من سياقها التاريخي بل كانت منفصلة عنه بغية تأسيس نفسها حيث كان المفهوم الثوري يقوم على هدم كل الماضي ليؤسس لنفسه وللحظة الجديدة التي يظن أنها هي الأصدق في التعبير عنه ولعلنا نلحظ الآن أثر ذلك الشعور في المظاهر العمرانية الحديثة حيث تشيع الفوضى الدالة على القلق النفسي والاجتماعي والحضاري والروح الحضارية بالقيم الحضارية لا يمكن أن تصنع الفوضى أو تنساق إليها بأي شكل من الأشكال بل الثابت شيوع القيم الجمالية في المظاهر العمرانية والبيئة ولا يكاد المرء يلحظ في المظهر العام للمدن أية مظاهر سلوكية غير سليمة أو مشوهة أو غير حضارية ومن هنا يمكن أن يقال أن احتلال الشق الحضاري أحدث تشوها في بنية الذات وبالتالي في البنية العمرانية والاجتماعية والبيئية كما نجد ذلك في كل مدننا على امتداد الأرض اليمنية ومثل ذلك التشهوه لا بد أن يثير سؤاله الثقافي وسؤاله الحضاري ويصبح السؤال ضرورة سياسية تفرضها الحاجات الاجتماعية والأبعاد الحضارية في بعدها التاريخي والحديث وحيث نضع السؤال على الطاولة يصبح التعدد في الرؤى سمة من سمات التنوع وقد تختلف وتذهب مذاهب شتى في التفكير وفي التنوع والتعدد ولكننا قد نتفق حول قضية جوهرية وهي كيف تجعل من صنعاء الحديثة على نسق ستوازى مع صنعاء القديمة وبالمعنى الأقرب كيف نحول صنعاء الحديثة إلى تحفة فنية وحضارية تثير اهتمام العالم الذي تفاعل مع صنعاء القديمة ووضعها في قائمة تراثه الأنساني والعالمي فالتمدد الأفقي الحديث والفوضى والعشوائية وسوء التخطيط العمراني وتردي الخدمات أصبحت سمات بارزة للمدينة الحديثة كما أن غياب التفكير في مستقبل الأجيال وفي أمنها المائي والغذائي يضع المدينة في قائمة القضايا الوطنية الكبرى التي مناقشتها بمسؤولية حضارية وثقافية وإنسانية وحقوقية.
والمتأمل في جغرافيا صنعاء وفي زحف الكتل الخرسانية والاسمنتية على الأراضي الزراعية وتدمير كل مقومات الحياة يشعر بالأسى لغياب الاستراتيجيات ومناقشة البدائل ووضع الحلول للإشكالات التي تواجه المزارع في المناطق المحيطة بصنعاء فالتمدد الأفقي للمدينة يجعل الدولة عاجزة عن توفير الخدمات فضلا عن تهديده للأمن المائي والغذائي للإنسان وحين تعمل الحكومة على تحديد سياساتها العمرانية في التوسع الرأسي وتشجع رأس المال الوطني والمجتمع على ذلك فهي تحد من ظاهرة الفوضى والعشوائية وتحد من عجزها في توفي

قد يعجبك ايضا