الحوار ومعركة المفهوم
أ.د عبدالله أحمد الذيفاني
أ.د/ عبدالله أحمد الذيفاني –
إن معركة المفهوم لم تكن جديدة في الساحة العربية ولم تطرح حديثا على طاولة العمل العام فقد كانت بداياتها تعود إلى القرن الماضي في الحقبة التي خضعت فيها الأمنان العربية والإسلامية لاحتلال أجنبي بغيض زرع الخلاف وارتحل مطمئنا على ثمار زرعه وهو ما حدث فعلا إذ اختلفت القوى السياسية والاجتماعية حول الفهوم المتصلة بفترة بناء الدولة الجديدة في الأقطار المتحررة من الاحتلال منها ما طبيعة الدولة التي يريدها الثوار والقوى المساندة للثورة¿ ما الحرية التي يريدونها وتحت أي سقف من المضامين¿ ما القيم السياسية التي ينبغي أن تلتزم بها الدولة حديثة العهد بالاستقلال¿ ما الايديولوجية الأنسب القومية الاشتراكية الإسلامية إلخ….¿ من هو التقدمي ومن هو الأنسب لقيادة المجتمع¿ ما التخلف ومن هو المتخلف¿ ما الرجعية ومن هو الرجعي¿ ما المعسكر الذي يحقق للأمة التحول المنشود ويدعمه¿ هل المعسكر الاشتراكي الماركسي أم المعسكر الغربي الرأسمالي¿ هل يمثل الإسلام الحل لكل معضلات الأمة ويحقق لها المستقبل الآمن¿ كيف نختار النموذج الذي يساعد على بناء الاقتصاد ويحقق الاكتفاء ويأخذ بالأقطار العربية إلى الأمام¿
الكثير من الأسئلة المبنية على فهوم لم تحسم بشكل نهائي هي التي قفزت إلى طاولة الحكام الجدد والقوى السياسية والاجتماعية في الشارع وشهد التاريخ صراعا ما زال قائما إلى اللحظة حول تلك الفهوم والمعاني التي ينبغي أن تستوعب وتترجم منها:
> شكل الدولة
> النظام السياسي
> الديمقراطية
> الحريات
> التعددية السياسية
> الدين والدولة
> السلام
> الأقليات
> الفئات المستضعفة
> الشريعة الإسلامية
ارتبطت بهذه الفهوم والمصطلحات علاقات القوى السياسية والمدنية والاجتماعية بعضها ببعض قربا وبعدا وفق تفسير كل قوة وطرف وقناعاته الفكرية والعقدية وظهرت هذه العلاقات بصور متعددة منها صور العداء المطلق والرفض المطلق والعداء الدائم بين القوى استنادا إلى فهمها لتلك الفهوم والمصطلحات فكان الاشتراكي لا يقبل الإسلامي ولا يقتنع بأطروحات القومي العروبي والعكس بالعكس فظلت هذه القوى الثلاث على وجه الخصوص في صراع لا يتوقف أنتج مكتبات من الطعن والطعن المضاد في إنكار كل طرف وأطروحاته العقدية والسياسية والثقافية والاجتماعية ونظرة كل طرف للفهوم السالفة الذكر.
أتذكر في مطلع السبعينيات من القرن الماضي حيث بدأنا نلج عالم السياسية والحزبية إن فضاءات من الافتراق والفرقة والغربة كانت تخيم على عملنا الحزبي فالتراث الإسلامي كتب صفراء مملوءة بكل ما هو رجعي ومتخلف ولا يحمل فكرا لبناء دولة ولا يؤسس لمجتمع مدني. وبالمقابل كان الإسلاميون يقولون أن القوميين والاشتراكيين ملاحدة ويريدون جر الأمة إلى خارج دائرة الإسلام ويؤسسون دولة ترفض الدين وتعلي شأن الدنيا. والحريات التي تضرب الإسلام وقيمه في مقتل وهي قيم المجتمع وتراثه وتاريخه.
والقوميون والاشتراكيون يتنازعون المعركة الكلامية في مدى قرب كل منهما للجماهير وبناء الدولة التي يتطلعون إليها فالإشتراكيون يقولون أن القومية شوفينية قذرة ترفض الآخر وتستقوي للعنصر وتقيد الحريات وبالمقابل كان القوميون يقولون أن الماركسية تجاوز للحقيقة القومية التي لا ينبغي تجاوزها وهي أصل كل مجتمع إنساني نقي ونبيل والأمة العربية الواحدة ليست أمة نكرة فهي أمة رسالة وتمثل قلب العالم الحر والدولة القومية هي الدولة التي تترجم تطلعات الجماهير وتنقل طموحاتهم على الواقع فهي الدولة العادلة الضامنة للحقوق والقائمة على التجانس والوحدة العضوية لمقومات وجودها التي لا يمكن أن تكون في الدعوة الأممية التي ستظل شعارات غير قابلة للتطبيق.
وظلت حالة الافتراق قائمة وكانت الحرب الباردة واحدة من أهم مصادر تغذية هذا الافتراق إذ كان الاشتراكيون الماركسيون جزءا من المنظومة الاشتراكية والقوميون حلفاء أساسيون لهذه المنظومة بينما كان الإسلاميون خصوما أشداء للمعسكر الاشتراكي وكانوا في موقف غير معلن من حيث الموقف الصريح من المعسكر الرأسمالي. إلى أن اشتد الصراع بين المعسكرين في أفغانستان وهنا انحاز وتحالف الإسلاميون مع المعسكر الرأسمالي ودخلوا في حرب لا هوادة فيها مع الاتحاد السوفييتي انتهت بهزيمة هذا الأخير.
وأسهم سقوط الاتحاد السوفييتي باختلال الموازين من ناحية وكشف حقيقة المعسكر الرأسمالي الذي قلب ظهر المجن للإسلاميين وب