الـبـدايـات المـخـتـزلة للـمـضـمـون

علي أحمد عبده قاسم


علي أحمد عبده قاسم –

شكلت القصة القصيرة اليمنية حضورا لافتا ووصل هذا التنوع من الأدب مستوى متقدما وحاول أن يلتقط الكثير من الرؤى والمشاكل ويحولها إلى عمل أدبي بديع سواء كان في جانب إنتاج القاص أو القاصة وتعتبر القصة اليمنية عموما واحدة من الأجناس الرفيعة في المشهد الإبداعي اليمني باعتبارها امتلكت أدوات السرد الحديث ولأن القصة النسوية منجز إبداعي له حضوره وسماته وإنه يحتاج من النقاد القراءة والدراسة لكشف الأبعاد الفنية لها وكنت أقرأ في المجموعة القصصية للقاصة سهير السمان والتي تحمل عنوان (موعد آخر) وصدرت عن الهيئة العامة للكتاب ضمن سلسلة إبداع واحتوت المجموعة على سبع وعشرين أقصوصة في مائة ورقة من القطع الصغير وتنوعت الرؤية فيها ما بين الاجتماعية ورؤية المرأة للحياة وواقعها وزمنها.
وحاولت في هذه القراءة تناول البدايات في البناء القصصي بوصف ذلك مظهر من مظاهر التمكن القصصي ففي أقصوصة “إليكö أعود” يبدأ النص باللقطة الفلمية المشهدية “لا يدري أين تأخذه قدماه فأفكاره تبعث به… هل يقبل بها زوجه¿ وقد أسلمته نفسها أكثر من مرة..! لم تكن ممن يعبثون بعواطف أحد هم من كانوا يعبثون بها لم يكونوا يرون فيها سوى تلك الأنثى الشهية..! هجمت عليه رغبة جامحة في اقتحامها لم يجرب معها دور المحب لأول مرة سيجرب وعند باب العمارة أنتظر خروجها لينصب شرك عينيه الساحرتين”().
مما سبق يمكن القول: إن بناء بدأ بالحاضر بلقطة مشهدية متكاملة في المكان المدينة من خلال “باب العمارة” ولكن هذه البداية الحبكة أوضحت ما يلي:
• الشرود والحيرة “لا يدري أن تأخذه قدماه” “هل يقبل بها زوجه قد أسلمته نفسها أكثر من مرة” وهذه الحيرة أفضت إلى جذب وشد للانتباه وأفضت إلى الصراع الداخلي النفسي الذي انعكس إلى صراع في القارئ مما أدى إلى متابعة للقراءة وأوضح الرؤية السردية والرؤية الاجتماعية والذاتية في القبول والرفض.
• كان السرد بضمير الغائب “هو” باعتبار ذلك يسهل الانتقال ما بين الماضي والحاضر ويكشف الفكرة والرسالة المتوخاة من الأقصوصة “لا يدري تأخذه ويقبل أسلمته يعيثون هجمت…إلخ” مما أفضى إلى مقدمة وتمهيد لبقية الأحداث.
• أوضحت اللقطة الحوارية العلاقة المرتبكة والقلقة ما بين الرجل والمرأة والمرأة والمجتمع من خلال “لم تكن ممن يعبثون بعواطف أحد هم من كانوا يعبثون بها لم يكونوا يرون فيها سوى الأنثى سمع عنها الكثير” ولأن تلك العلاقة تفتقر للثقة فإن الرؤية فيها تعكس المحاولة الجادة لتحويلها إلى علاقة متزنة واثقة حتى يتحقق للمرأة الفاعلية والتأثير والاستقرار ولذلك كانت البداية مختزلة بكثافة لمضمون القصة من حيث بث الرؤية وتوضيح العلاقة ومحاولة المرأة تغيير الوعي المجتمعي.
وإذا انتقلت القراءة إلى الأقصوصة الثانية “نصف قمر” فإن المتأمل في العنوان يلحظ الرمزية من خلاله باعتبار “النصف” شطر الشيء بما يحيل إلى عدم الاكتمال ويحيل النصف إلى نصف الإنسان ونصف العمر والزمن والقمر يحيل إلى الجمال والسمو وإلى انتصاف الشهر الذي العمر ويحيل المرأة والرجل بمعنى أن الرجل والمرأة يشكلان لوحة للجمال والاكتمال في حالة الارتباط والزواج لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن بنصف دينه فإذا تزوج اكتمل النصف الآخر” ويأتي الحكي في الأقصوصة ليوضح تلك الدلالات “امتدت يداها تحتضن الضوء وترفع الستار عن ذكريات تركتها خارج النافذة في انتظار أمل جديد للرجوع “كان هذا اليوم أجمل يوم تنتظره بلهفة وشوق يوم اكتمال القمر ليصبح بدرا يلف الفضاء بضيائه الهادئ الذي يعكس أياما عاشتها بأجمل معاني الحياة ومرت وكأنها طيف أو ندى أزهار تحولت إلى ترانيم أمل قادم”().
وبذلك تمكنت بداية بناء الأقصوصة من اختزال المضمون الذي يعكس الرؤية الشخصية الفردية والتي تتحول إلى رؤية اجتماعية عامة من حيث احتراق النص في البحث الاكتمال والاحتراق فيه ليتحقق الاستقرار بوصف ذلك هو الحياة وأوضح السرد الاحتراق في البحث عن الأمل الكينونة “تحتضن الضوء وترفع الستار عن خارج النافذة” وكأن الأمل هذا يحيل معاناة نفسية ومكايدة عاطفية ترتد إلى المجتمع والعادات والتقاليد والحتميات الاجتماعية التي تحول الذات المخصبة إلى ذبول وموت مما يعكس أيضا قضية المطامح والإخفاقات فأتى السرد مشفرا للمضمون “أجمل يوم تنتظره بلهفة وشوق” ليحيل إلى الارتباط والزواج “يوم اكتمال القمر” إنها الذات المحترقة والذات الغائبة التي مازالت شطرا وحلما “يوم اكتمال القمر”.
إن العلاقة المضطربة والقلقة ما بين الرجل والمرأة والمجتمع مضمونا كثيفا في القصة القصيرة النسوية عموما وفي هذه المجموعة باعتبار أن نهاية

قد يعجبك ايضا