قراءة في مدرسة كوبن هاجن اللسانية
إبراهيم أحمد ثابت

إبراهيم أحمد ثابت –
تطورت اللسانيات عبر مراحلها التاريخية والمتعاقبة وأصبحت علما أساسيا يعتمد على المناهج العلمية الحديثة وما كان لهذا العلم (اللسان)أن يصل الى هذا التطور لولا جهود علماء كبار أفنوا حياتهم في سبيل البحث والدراسة عبر مدارس لسانية لها روادها ومنهجها ومبادئها .
وسنتناول في هذه المقاربة الحديث عن احدى المدارس اللسانية البنيوية المنبثقة من وصفية دي سوسير وإن اختلفت معه في بعض الآراء . هذه المقاربة تتضمن نبذة عن مدرسة كوبن هاجن وروادهاوأرآئهم ومبادئ هذه المدرسة ومنهجها ومنهجيتها .أولا: التعريف بالمدرسة (النشأة والتطور):
ظهرت مدرسة كوبن هاجن في مطلع القرن العشرين 1933متأثرة بالمفاهيم الجديدة التي جاء بها سويسر و مقرها كوبنهاجن الدنمرك. (1).
وقد تأسست على يد هيلمسليف وبروندل و ظهرت مجلتها مجلة كوبن هاجن اللغوية عام 1934م وكان مجال نشرهم فيما بعد هي أعمال حلقة كوبن هاجن اللغوية )بالإضافة إلى ذلك فقد اشتركتا مع مدرسة براغ منذ 1939م في نشر مجلة(أعمال لغوية المجلة الدولية لعلم اللغة البنيوية) .
حاول أصحاب هذه المدرسة التجديد في طريقة دراسة اللغة والإعراض عن الأساليب التقليدية واعتماد الدراسة العلمية . وقد وظفوا المصطلحات الغربية في بحثهم اللساني. وصاغوا العناصر اللغوية في شكل رموز جبرية ذات سمة رياضية و واستعملوا التراكيب اللغوية في شكل معادلات رياضية الأمر الذي ترتب عليه ردة فغل قوي من اللسانيين والمفكرين والفلاسفة (2).
هذه الجماعة انتشرت دراستها بأكثر من لغة فمنهم من نشر بالانجليزية والفرنسية والألمانية .
تعتبر هذه المدرسةمن أهم التيارات البنيوية الحديثة في اللسانيات.وقد عرفت هذه المدرسة بالكلوسيمائية التي اعتمدت المنهج التحليلي و الاستنباطيوقد درست اللغة أيضا على أنها صورةforme و ليست مادة substance و اعتبرت اللغة حالة خاصة من النظام السيميائي.
ثانيا:أهم أعلامها المؤثرين في الساحة وآرائهم :
الدنمركي لويس هلمسليفlouis hjelmslev :ولد في عام 1956 وهو صاحب النظرية البنيوية التحليلية (الرياضيات اللغوية )تتلمذ في باريس على اللساني مايي meilletوشارك في النادي اللساني بكوبن هاجن سنة 1931 (3).
من آرائه :
يفرق في إطار نموذجه الثنائي للعلامات مرة أخرى بين الشكل والمادة فهليمسلف يحدد اللغة (اللسان بمفهوم سوسير )بأنها شكل خاص منظم داخل مادتين :مادة المضمون ومادة التعبير وانطلاقا من موقف هيلمسف يبدو انه قد انقلب على مدرسة براغ التي تلقت مدرسة دي سوسير بشكل خاطئ والتي تفهم اللغة على أنها شكل لا داخل المادة وليس كما يفهمها هو نفسه على أنها شكل دون مادة (4) .
اخترع مفهوم غلوسيماتيك (glossématique)باشتقاقه من الإغريقية غلوسة يعني اللغة لتعيين النظرية المستخلصة من نظرية دي سوسير التي تجعل من اللغة غاية لذاتها لا وسيلة لتحقيق الغاية المقصودة بالكلام والنظرية هذه تهتم قبل كل شيء باللسانيات فإذا ثبتت نجاعتها توسع بها إلى العلوم الإنسانية الأخرى ولكي يمكن قبول نتائجها يجب أن تتفق والتجربة الفعلية
ومع هذا فإن نظرية هيلمسف نظرية بارعة في عمومها وشمولها ومداها ولكن هذه النظرية لم تطبق حتى الآن تطبيقا كاملا على لغة من اللغات ولو اللغة الدنماركية لغة صاحبها وربما كان هذا مما يوحي بأن من الخير أن تعد هذه النظرية نوعا من الرياضيات الخالصة (5)
من مؤلفاته (مقدمة في النظرية اللغوية مقدمة في اللغة ومحاولات لسانية (6)
بروندل :أعتمد في أبحاثه على المعيار المبدئي الأول وهو اكتشاف المبادئ المنطقية و الطبيعية في اللغة إذ ان الهدف من فلسفة اللغة عنده هو بحث عدد من المقولات المنطقية وتعريفها (7)
عمل على الاجتهاد “في شرح الابنية الصرفية الكبرى لتطابق المقولات التي تعبر عنها في علاقاتها الأساسية وتنظيمها في لوحات محدفهو يعتمد على المبدأ الثنائي الوظيفي فيميز بين السلب والإيجاب (8)
جاسبرسن :فهو مشهر بكتابه (اللغة)الذي ظهر لأول مره سنة 1922وهو خطوة كبيرة في سبيل تاريخ اللغة (9).
بدررسن Pedersen ومن أهم كتبه :علم اللسان في القرن التاسع عشر (10)
ثالثا: أهم مبادئ هذه المدرسة: لقد قامت هذه المدرسة على كثير من مبادئ مدرسة(جنيف)ثم مدرسة(براغ):
الأول : اللغة ليست مادة وإنما هي صورة أو شكل .
الثاني : جميع اللغات تشترك في أنها تعبöر عن محتوى .
الثالث: يوضع لتحليل اللغة نظرية صورية رياضية تصدق على جميع اللغات .
الرابع: تقوم على النقد الحاد للسانيات التي سبقتها وحادت في نظرها عن مجال اللغة بانتصابها خارج الشبكة اللغوية .
الخامس: تقوم على النسقية التي تنصب على داخل اللغة فهي تصدر منها