عن هوية الدولة

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - يدور جدل واسع هذه الأيام حول الدولة وهويتها وهل الإسلام دين الدولة أم دين الشعب وكل فريق يذهب في مواقفه وتنظيراته مذاهب شتى وكاد الكثير من أولئك أن يدعي الحقيقة المطلقة ويرى في موقفه الحق والصواب وهو يدرك تمام الإدراك أن رايه صوا
عبدالرحمن مراد –

مقالة

يدور جدل واسع هذه الأيام حول الدولة وهويتها وهل الإسلام دين الدولة أم دين الشعب وكل فريق يذهب في مواقفه وتنظيراته مذاهب شتى وكاد الكثير من أولئك أن يدعي الحقيقة المطلقة ويرى في موقفه الحق والصواب وهو يدرك تمام الإدراك أن رايه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب فالقضية المنطقية لا يمكنها أن تذهب إلى التسليم لفريق دون الآخر.
وفي ظني أن الموضوع لا يحتمل كل هذا الجدل والتعصب ذلك أن الدين الإسلامي ليس قالبا جاهزا يصبغ كل مظاهر الحياة بصبغة واحدة ولو كان بمثل ذلك التحجر والتقولب لكان ظاهرة تاريخية جامدة ولا يمكنها التفاعل مع الأزمنة ولكنه- وهذه ميزه عظيمة لم يستوعبها المثقف الديني بعد حتى اللحظة- دين متحرك ومتفاعل وهو يقول بالتعدد ويجل العقل ويحترم معتقدات الآخر ومقدساته ودور عباداته بالنص المقدس وبالسلوك والممارسة فالقرآن الكريم يتحدث عن ذلك التعدد ويقره بل يرى أن الاختلاف ظاهرة حسنة ورحمة خوف الطغيان والفساد فالتدافع ضرورة لاستمرار الحياة ولا يمكن أن يكون التدافع بالسيف وفناء الآخر فقط بل بالفكرة وبيان فساد الآخر وخطأه وبالتدافع المدني السلمي الذي أصبح مظهرا حضاريا حديثا. وفي التاريخ نماذج متعددة لصيغة التعايش واحترام الآخر فالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض الصلاة في الكنيسة في بيت المقدس في عام الفتح لها وذلك خوف التأويل الخاطئ واحتراما لمقدسات الآخر وحريته في المعتقد وهذا الخليفة نفسه هو من استجاب لعوامل التطور في الدولة الإسلامية الحديثة فأنشأ الدواوين واستحدث أنظمة لم تكن معهودة ولم ينص عليها قرآن أو تقول بها سنة فالحالات الانتقالية تفرض ضروراتها المرحلية وتفرض تشريعاتها فزمن الخليفة الأول (أبو بكر) كان امتدادا لزمن الرسول ولم تحدث فيه تطورات كثيرة بل تركز جهد المرحلة على تثبيت سلطة الدولة الحديثة والتمهيد لعملية الاستقرار. وحين اتسعت الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية الحديثة بالضرورة كانت هناك أنظمة مستحدثة تواكب تطورات المرحلة وهكذا دواليك كان شأن الدولة الإسلامية الحديثة مرت من طور إلى آخر إلى أن وصلت إلى الصيغة التي هي عليها الآن فالواحد يتعدد فالبذور قد تصبح سنبلة والسنبلة تحمل مئات البذور فالتعدد كما أسلفنا جبلة فطرية لا يمكننا القفز على حقيقتها الجوهري ولذلك لايمكننا القول بخطأ من يقول إن الإسلام دين الشعب ولا بصواب من يرون أن الإسلام دين الدولة فالموضوع جدلي وتدافع ولايمس جوهر التصورات والمعتقدات والمفاهيم والقيم والمبادئ الإسلامية فالنص الدستوري قد يصبح نصا جامدا إذا احترمنا التعدد ونبذنا التعصب فالنص القرآني لا يقول بالشكل والمظاهر الخارجية للأشياء ولكنه ينفد إلى جوهر الأشياء وينشد كمالها في ذاتها فالذات تتكامل في إطار المجموع فالهداية والضلال تضاد وصراع أزلي فلا هداية مطلقة ولا ضلال مطلق كما أن الدين أي دين هو منظومة متكاملة من التصورات والمعتقدات والمفاهيم والقيم وحين يتوافق المسلك العام ولايتعارض مع تلك المنظومة في إطارها المتعدد يصبح الإسلام حاضرا في المظهر وفي الجوهر وسواء نص الدستور عليه أو لم ينص فإنه بالضرورة يصبغ الحياة بصبغته الثقافية والأخلاقية.
فالنص القطعي الدلالة لايمكنه أن يتعارض مع العقلي التعارض لايكون إلا بين النقلي والعقلي ولذلك فمقاصد الإسلام ثابتة ولا تتعدد إلا الطرق والوسائل في تحقيقها فالنفس وهي من الكليات الخمس حين نتأمل النص القطعي حولها لانجد تعارضا بينه وبين المواثيق والعهود الدولية باعتبار تلك النصوص في العهود والمواثيق الدولية من نتاج العقل واجتهاد البشر ولكننا قد نجد تعارضا بين ما هو نقلي في الموروث الثقافي الإسلامي وبينها وعلى مثل ذلك يمكن القياس في جل المفاهيم والمنطلقات والمعتقدات فالإسلام الحق لايمكن أن يتعارض مع الفطرة والعقل السليم.
ما نحبذ التأكيد عليه ـ وقد سبق لنا الحديث عنه في مقالات سابقة على صدر هذه الصحيفة ـ هو أن التعدد سمة المرحلة التي أينعت تحت مناخات 2011 م وعلى المثقف الديني أن يعي هذه الحقيقة فالتيار السني كما نلحظ هو الأكثر تشظيا والأكثر تعددا فالأخواني لا يتناغم مع السلفي والجهادي القطبي لايتناغم مع الدعوي المسالم حتى السلفية تتعدد فمنهم من يرى جواز الانخراط في العمل السياسي ومنهم من يرى في ذلك مفسدة وإذا كان التعدد في القوى المتناغمة والمتجانسة بمثل ذلك الظهور وذلك البروز فهو في الإطار الاجتماعي الكلي أوسع وأشمل وال

قد يعجبك ايضا