الإيمان كنشاط للوعي في صيغة الدين
محمد صالح الحاضري
محمد صالح الحاضري –
أول تموضع للوعي كان في صورة الدين والوعي في أساسه هو الفطرة فتكون الضرورة التاريخية هي للفطرة فيبقى الدين متخصصا بالنشاط الروحي لكن الوعي يتطور على شكل مراحل تطور تاريخي فنلاحظ مثلا أن محتوى الدين هو نفسه محتوى الفطرة في إطار الاحتكام إلى عملية التطور التاريخي للوعي فما هو في الدين من الوعي يصبح في الفلسفة والفكر العام على أساس أن الفطرة تتضمنها في ذاتها وهي في الحقيقة من تتطور في صورة التاريخ العام فعندما نقول بأن الأخلاق من أصول الدين فهي في أساسها أزلية موجودة في كل زمان ومكان فالصدق هو ذاته لا يتغير بتغير الزمان والمكان كما أنه لم يأت متزامنا مع الدين بل يندرج في الوعي الديني كما يندرج في الوعي الفلسفي وفي الأصل هو جزء من الوعي الطبيعي.
لنلاحظ مثلا بأن الدين يتضمن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن هذا المبدأ هو هكذا في شكله الديني فقط وأصله الطبيعي هو النقد كصيغة جدلية للوعي النقدي الاجتماعي تسمى النقد الاجتماعي في المرحلة الأكثر تطورا للوعي والمقصود بالتطور هو تطور الفهم وتطور اللغة أما مضمون الوعي فهو نفسه الموجود في الفطرة ويتطور داخل التاريخي على شكل مختلف المراحل التاريخية فنفهم من ذلك أن الوعي في صورة الدين ليس نهاية التاريخ بل بدايته فلا يمنع أن يكون الشخص متدينا ولكن لا يتعصب للدين وهو مجرد من الفطرة بل ينتمي إلى الفطرة بصفتها مرجعية الدين والوجود المادي كله فإذا أصر المتدين على أن يتمسك بصيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدينية ولا ينتقل بوعيه إلى مراحل تطور الوعي اللاحقة للنزعة النقدية للفرد المتسم بالشعور بالمسؤولية تجاه سلامة النظام العام للواقع فهو قد أصبح متعصبا دينيا يسهم في إخراج الدين من مساره الفطري إلى مسار تاريخي سلبي يفهم رسالة الدين فهما غير علمي ويضعه في موقف التصادم مع العلم.
إن حالة الوعي في صيغة الدين كانت تقبل في مرحلتها الأولى مطلع التاريخ إساءة فهم العلاقة بين الوعي والدين على أساس أن الوعي هو ذاته الدين كمفهوم لنهاية التطور وذلك لأن العقل كان تموضع بذلك المستوى من التطور المرحلي للوعي فكان يفهم ذاته حسب مرحلة تطوره التي هي مستوى وعيه الذاتي في تلك المرحلة لكن لم يعد مقبولا أن يستمر سوء الفهم للعلاقة بين الوعي والدين في الواقع المعاصر بدرجة الوعي ذاتها في مراحله التاريخية المبكرة ويتم بذلك تكريس ظاهرة غير علمية في نظام العلاقة بين الوعي والدين بمعزل عن التطور التاريخي للوعي ونتائجه الاحتكامية الصحيحة للعلاقة التاريخية بين الدين والوعي في صورة الفلسفة على اعتبار أن الحداثة أبرز نتيجة تاريخية للعلاقة بين الدين والفلسفة. ونلاحظ مثلا بأن التعريف الديني المرجعي للإيمان بأنه ما وقر في القلب وصدقه العمل هو فلسفيا بمفهوم اقتران الوعي بالممارسة.
إن الخلل الواضح في واقع الدين ليس حاسما إذا ما لاحظناه من زاوية نتائج التطور التاريخي للوعي بل هو خلل عند ملاحظته من زاوية المتحلفين عن فهم علاقة الدين والوعي في ضوء نتائج التطور التاريخي التراكمية. ولذلك نلاحظ أن الدين من الزاوية الأولى قوي وخال من الترهات والخرافة الموجودة في الزاوية الثانية وبدلا من أن الدين بطبيعته الفطرية هو علم يتطور بتطور الفطرة فيصبح دينا متطورا فإننا نجده دينا ساذجا يزج بالنور داخله في اغتراب داخل عصور قديمة يتم إقحامها في الواقع المعاصر الذي هو عصر النور الحقيقي كعصر من المفترض أن يجد الدين فيه ذاته أكثر من عصور الظلام القديمة.
إن مفهوم فطرية الدين هي في طبيعته قبل عملية تطوره التاريخي واكتسابه تاريخا دينيا خاصا خارج عملية التطور التاريخي للوعي بصفته الجانب الصحيح من التاريخ فأصبحت المشكلة أن الدين الذي هو فطري ويندرج في الجانب الصحيح من التاريخ بأت خارج المسار التاريخي الطبيعي بعد ربط عمقه الروحي بشكل تاريخي يتم إعطاؤه مفهوما إيمانيا فلم تعد صحة الإيمان الديني متعلقة بالشعائر الدينية من صلاة وصوم وأذكار وبالعمل الصالح إنما هناك شروط .. الشخصية التاريخية للدين وما تمت أثنائها من إشكال الامتطاء السياسي للمسيرة الدينية التاريخية من القوى المهيمنة على بيئة الدين وواقعه التاريخي وبذلك فلم يعد الأصل الفطري لقانون الواقع هو العدل فيؤدي مفهوم الدولة الطبيعية إلى هذه الغاية بالضرورة من وظيفة الدولة ومفهومها الطبيعي.